ابراهيم عواضة
مخطئ من يظن ان بمقدور أي مصرف مركزي في العالم ان يتخطى أي قرار أميركي يقضي بفرض عقوبات مالية على تنظيم سياسي، أو مؤسسات أم أفراد. ومخطئ من يظن ان القوانين المحلية للدول كافة يمكنها ان تحمي كياناتها المالية والمصرفية من العقوبات الدولية عامة والعقوبات الأميركية خاصة، والتجارب والثوابت القريبة أو البعيدة تؤكد على ذلك إذ فرضت السلطات المالية خلال عامي 2015 و2016 عقوبات مالية ضخمة على مصارف أوروبية دولية عاملة في فرنسا، انكلترا وسويسرا، من دون ان تتمكن هذه الدول «العظمى» من حماية مصارفها من العقوبات بالعودة إلى لبنان، وتحديداً فيما خصّ العقوبات المالية الأميركية الأخيرة ضد حزب الله، مع التأكيد على ان هذه العقوبات سياسية بامتياز تستهدف حزباً قاوم ويقاوم العدو الإسرائيلي، وبمعنى أوضح على رغم قناعة السلطة النقدية والسياسية في لبنان، كما الجهاز المصرفي بأن هذه العقوبات «كيدية» وفي غير محلها، الا ان الواقع يفرض التعامل معها بجدية وبالتزام كلي من قبل مصرف لبنان والجهاز المصرفي اللبناني لغير اعتبار أقله تفويت الفرصة على الجهة المصدّرة لهذه العقوبات للنيل من الاستقرار المالي والنقدي الذي ينعم به لبنان بفعل السياسات الهندسية والمالية التي رسمها، ببراعة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خلال سنوات وجوده في سدّة الحاكمية.
رياض سلامة الذي تسلم مهامه في مصرف لبنان في العام 1993، في أوضاع مالية ومصرفية ونقدية جد صعبة وخطيرة وضع نصب عينيه هدفاً اساسياً وهو تأمين استقرار نقدي ومالي طويل الأجل، وتالياً بناء قطاع مصرفي قوي وموثوق محلياً ودولياً.
رياض سلامة صاحب الخبرة والباع الطويل في أسواق المال والمصارف عندما قرّر المضي في تحقيق هدفه الآنف الذكر لم يكن يسعى إلى توفير الاستقرار المالي والنقدي لفئة معينة من اللبنانيين، إنما لكل اللبنانيين، وعندما ولج رياض سلامة ملف المصارف المتعسرة في منتصف التسعينات، وبدأ العمل على بناء قطاع مصرفي سليم كان هدفه، ولا زال حماية الرساميل كما حماية المودعين من دون تمييز، هكذا كان وهكذا هو اليوم.
رياض سلامة حمى القطاع المالي والمصرفي من تدخلات السياسيين، وحمى القطاع في أشدّ الأوضاع تعقيداً وخطورة، وحمى ودائع اللبنانيين، كلهم من دون استثناء، مسيحيين ومسلمين على مختلف مذاهبهم، والاهم ان حاكم مصرف لبنان حمى الاقتصاد من الانهيار ووفر الاستمرارية لما تُبقي من مؤسسات الدولة منذ العام 2011 ولتاريخه.
رياض سلامة في العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006 كان «الظهير» المساند والداعم للمقاومة في حربها ضد العدو، ومن موقعه حيث حمى الاستقرار المالي والنقدي، فكان الحامي لبيئة المقاومة وللبنان.
إن العقوبات الأميركية «شرّ» لا بدّ الامتثال له وحزب الله «المقاومة» يتفهم ذلك ويدرك انه لا يمكن للسلطة النقدية أو للقطاع المصرفي عدم الامتثال. ان معالجة هذه الإشكالية الطارئة تستدعي حواراً هادئاً بين حزب الله والحكومة اللبنانية التي يمتثل لها مصرف لبنان لتمرير هذه العقوبات بأقل ضرر ممكن على بيئة حزب الله، كما ان المطلوب سياسة عقلانية من المصارف في تنفيذها العقوبات، أي ان على المصارف ان لا «تجتهد» من عندها، إنما عليها تنفيذ هذه العقوبات بحدها الأدنى ووقف ما تقرره السلطة النقدية التي «سلفت» المصارف الكثير خلال سنوات طويلة.