كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
تنص المادة 13 من النظام العام لحزب الكتائب على أنه يجب على كلّ عضو في الحزب أن «يُنفّذ القرارات الحزبية على اختلاف أنواعها بدقة وأمانة».
وزير العمل سجعان القزي، الذي أرغمته قيادة حزبه على تقديم استقالته، لم يلتزم بهذه المادة، مُفضّلاً الركون خلف الدستور الذي ينص على أنّ الاستقالة من الحكومة لا تكون نافذة في حال شغور موقع رئاسة الجمهورية. قزي يُصرّ على تصريف الأعمال، آملاً أن يعود الحزب عن قرار الاستقالة. ويقول في اتصال مع «الأخبار» إنّ «همّي ليس توقيع الفواتير، ولكن مسؤوليتي هي في المحافظة على اليد العاملة اللبنانية وتأمين وتطوير الضمان الاجتماعي والحدّ من إجازات العمل وتحقيق لامركزية الوزارة». انطلاقاً من هنا «أنا مُستمر في العمل الحكومي». يكتفي قزي بهذا القدر، فهو لن يستبق انعقاد المكتب السياسي الكتائبي عصر اليوم، خاصة أن الحزب «أعاد النظر حتى الآن في نقطتين؛ الأولى أنه لم يُقدّم الاستقالة خطياً. والثانية هي إعادة النظر في موضوع تصريف الأعمال».
«عدم انضباط» قزي ومجاهرته باختلاف وجهات النظر بينه وبين رئيس حزبه النائب سامي الجميّل طرحا تساؤلات عدّة حول رغبته في تقديم استقالته من الحزب بعد 45 عاماً من «العمل» مع مُختلف القيادات التي تناوبت على رئاسة الكتائب. بالنسبة إليه، «ما فيني استقيل من الحزب وأنا جزء منه. الكتائب مش قميص لابسها». وردّاً على فرضية إحالته على المجلس التأديبي، يردّ ممازحاً: «يبعتوني على محكمة لاهاي مع مصطفى بدرالدين». بعد الضحك، يعود قزي إلى جديته، مشيراً إلى أنّ «سامي على حق في أن يثير هذه القضية، ولكن الكتائب معيارها وطني وليس فقط بيئياً. أتمنى أن أستمر إلى جانبه، فهو يحمل قضية شعب، ولكن أنا لست نكرة. أحمل مسيرة حزبي وخطفي ونفيي وسجني». المستشار السابق للرئيس أمين الجميّل لم يُفاتح الأخير بهذا الموضوع «لأني لم أرغب في إحراجه. قد يكون منزعجاً أكثر مني». إلا أنّ قزي لم يُمانع في «زكزكة» آل الجميل، فزار قبل أيام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي «نُمي إليه» أن قزي هو الذي نصح النائب سعد الحريري في خطاب 14 شباط بأن «يُنكّت» جملته الشهيرة: «يا ريت يا حكيم المصالحة (مع التيار الوطني الحر) صارت من زمان». لا يريد وزير العمل الحديث عن زيارته لمعراب، «ولكن ما يُحكى عن أن تصرفي قد يكون بالتنسيق مع جعجع تأكيد على أنهم لا يعرفونني وأن الحق معي».
الخلاف بين الجميّل الابن وقزي ليس جديداً. فصوله تعود إلى كانون الثاني من عام 2015 يوم اتُّهم قزي بتسريب خبر استقالته من الحزب على خلفية «تأنيب» الجميّل له لعدم التزامه بالقرارات التي تعمّمها القيادة الحزبية على وزراء الكتائب في الحكومة. ردّ قزي يومها بأنه لا يلتزم «إلا بالقرارات الرسمية التي يصدرها الحزب، لا قرار عضو فيه، حتى ولو كان ابن الشيخ أمين». تمنيات الأخير حالت دون مغادرة قزي الصيفي. وتمرّد الوزير قديم أيضاً؛ بدأ حين غادر مع الرئيس بشير الجميّل الحزب رفضاً لقرار دخول الجيش السوري إلى لبنان، ثم تأسيسهما إذاعة لبنان الحرّ. ثُمّ انتفض مع الوزير ايلي حبيقة في 1985، مُشرفاً على إصدار جريدة «العمل» من الكرنتينا بنسختها «الحبيقية». بعد الانتفاضة المضادة التي قام بها جعجع في الـ1986، «نُفي» قزي إلى باريس حيث صادق أمين الجميّل. لا أحد يفهم طبيعة العلاقة الوطيدة بين الرجلين، التي أدت إلى ترشيح قزي في انتخابات 2009 النيابية في كسروان (نال 43.3% من مجموع المقترعين) وتوزيره في 2014. إلا أنّ الأكيد أنه لا نائب المتن ولا فريق عمله «يهضمونها».
قزي المعترض اليوم على قرار حزبه، كان في 14 حزيران 2016، تاريخ إعلان الجميّل استقالة وزيري الكتائب من حكومة تمام سلام، يجلس على يمين رئيس الحزب يوزع نظراته على الحاضرين، مُبتسماً ومُصفّقاً لكلمات الجميّل. تصرّفه لم يُفاجئ «الساميين» أو جمهور الحزب الذي لم يرحم قزي على وسائل التواصل الاجتماعي، واصفاً إياه بأشنع النعوت. عدم رغبة قزي في التنازل عن مهماته كوزير، تلازم مع انتشار معلومات عن مصادر قيادية في الحزب تؤكد أن «قزي لم يترك لنا خياراً إلا إقالته في حال لم يلتزم بالقرارات، ولكن سندخل إلى اجتماع اليوم من دون وجود قرار مُعلب». إلا أن الغائب الأبرز عن المكتب السياسي اليوم سيكون سامي الجميّل الذي سافر إلى دولة أوروبية. «لنرَ متى سيعود. لا ينبغي أن نترك هذه القصة المهمة مُعلقة، ولا أن ينعقد المكتب في غيابه»، تقول المصادر، قبل أن تسأل: «هل سيحضر قزي الاجتماع؟ نحن اعتدنا غيابه في كلّ مرة يكون هناك موضوع خلافي، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بمصيره الحزبي؟».
في 1984، ساهم رئيس الجمهورية أمين الجميّل في «عزل» رئيس مجلس النواب كامل الأسعد وانتخاب حسين الحسيني خلفاً له. حينذاك، اعترض عضوا المكتب السياسي إدمون رزق ولويس أبو شرف. لم تُحترم التراتبية القانونية الحزبية، ولم يُحاكم العضوان أمام المجلس التأديبي. عولج الأمر في المكتب السياسي برئاسة إيلي كرامة، وفُصِل رزق وأبو شرف. بعد 32 عاماً، سيعيد التاريخ الكتائبي نفسه. فهل يُصدر الكتائبيون حُكمهم بنهاية التاريخ الحزبي للوزير سجعان قزي؟