حسن يحي
ولّى زمن الحاسوب سواء أكان محمولاً أو مكتبياً. اذ استطاعت الأجهزة الذكية والهواتف على وجه الخصوص احتلال المساحة السوقية التي تشغلها الحواسيب في العالم.
ولعل أبرز ما مكّن الهواتف والأجهزة الذكية من احتلال المكانة التي تحتلها اليوم، هو الخدمات التي تستطيع تأديتها والتي طغت على خدمات الحاسوب، بدليل إصدار شركة “مايكروسوفت” نظام تشغيل “ويندوز 10” الذي يُعتبر مزيجاً بين انظمة تشغيل الحواسيب والهواتف. أما العامل الإضافي الذي ساعد على هذا الطغيان فيتمثل في هامش الأسعار الذي لا يقارن بهامش أسعار الحواسيب المرتفعة عموماً.
كذلك، أصدرت شركة “مايكروسوفت” مؤخراً النسخة المطورة من جهازها “سورفايس برو” الذي يُمكن تشبيهه إلى حد بعيد بهاتف ذكي فائق السرعة يكاد ينافس الحاسوب. وحققت الشركة بإصدارها مبيعات ضخمة مكنتها من إعادة تموضعها في العالم كأقوى شركة في مجال الحواسيب والأجهزة الذكية. وأصدرت شركة “آبل” جهازها الذكي “آيباد برو3″، الذي قال فيه الرئيس التنفيذي للشركة تيم كوك إنه جاء ليلغي ثقافة الحواسيب.
عموماً، تشهد مبيعات الهواتف الذكية ارتفاعاً غير مسبوق في العالم بأسره، إذ لم تقتصر هذه المبيعات على البلدان المتطورة تكنولوجياً، مثل كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية وكندا، بل وصل هذا الارتفاع إلى البلدان النامية التي أصبح بعض منها منافساً في سوق هذه الصناعة أيضاً. وهذا الارتفاع وصل إلى 1.4 بليون هاتف ذكي في العام 2015، وسط توقعات بارتفاع إضافي خلال العام 2016 والأعوام التي تليه.
ولعب انخفاض الأسعار دوراً بارزاً في زيادة هذه المبيعات، إذ أطلقت شركة “آبل” مؤخراً هاتفها الجديد “آيفون أس أي” الذي أعد خصيصاً للأسواق الصينية، بهدف كسر هيمنة الشركات المحلية على أكبر سوق مستهلك في العالم. وسعّرت الشركة جهازها الجديد بين 300 و500 دولار أميركي. ما أدى إلى رواجه في الأسواق الصينية والعالمية عموماً، خصوصاً أن معظم الشركات الرائدة في هذا المجال لا تستطيع منافسة هذه الأسعار اليوم.
هذه المنافسة في الأسعار بين الشركات الرائدة، تزامنت مع منافسة جديدة دخلت الأسواق مدعومة بشكل رئيس من الشركات الهندية التي يُستثمر في قطاعها التكنولوجي ملايين الدولارات سنوياً. ومؤخراً، أعلنت شركة هندية (رينغينغ بيل) إنتاجها هاتف ذكي بكلفة تراوح بين 4 دولارات و44 دولاراً. ما أدى إلى وصول مبيعاتها قبل طرح الجهاز إلى 300 الف جهاز.
هذه العوامل، إضافة إلى ارتفاع إيرادات الإعلانات الإلكترونية، التي أصبح الهاتف الذكي جزءاً لا يتجزأ منها، والتي يُتوقع أن يفوق حجمها في العام 2017 إيرادات الإعلانات التلفزيونية في الولايات المتحدة، ساهمت في القضاء على الحاسوب وتقليص الفجوة التي كانت بين الأسواق المتطورة والأسواق النامية.
وتوقع تقرير أصدره “مكتب الإعلانات التفاعلية” الأميركي أرتفاع إيرادات الإعلانات التلفزيونية في الولايات المتحدة من 69.9 بليون دولار في العام 2015 إلى 81.7 بليون في العام 2020، بنسبة نمو سنوية تصل إلى 3.2%.
أما في ما يخص الإعلانات الإلكترونية، فتوقع التقرير نسبة النمو أكثر من 3 مرات: من 59.6 بليون دولار في العام 2015 إلى 93.5 بليوناً في العام 2020. ويشير إلى أنه في العام 2017 ستصبح إيرادات الإعلانات الإلكترونية لأول مرة أعلى منها في قطاع التلفزيون. وستسجل إيرادات الإعلانات التلفزيونية في العام المقبل، 70.4 بليون دولار، في حين ستسجل إيرادات الإعلانات الإلكترونية 75.3 بليون دولار.
ولا بد من ذكر الهدف الواضح والصريح الذي حققته الهواتف الذكية في مرمى كل من الحواسيب والتلفزيون، إذ استطاع وخلال فترة قصيرة أن يفرض نفسه لاعباً رئيسياً في هذا المجال، مع تسجيله انتشاراً واسعاً يوماً بعد يوم.
وأفاد تقرير آخر أصدره مركز “بيو” الأميركي للاحصاءات، أن الفجوة الموجودة بين البلدان المتطورة والبلدان النامية تضيق شيئاً فشيئاً في إطار امتلاك هواتف ذكية، إذ سجلت مبيعات هذه الهواتف في البلدان النامية ارتفاعاً صاروخياً وصل أعلاها إلى 42% في تركيا.
نمو محلي
لا بد من الإشارة إلى أن لبنان يحتل مركزاً متقدماً في هذا المجال، إذ سجل التقرير الأميركي أن نسبة الأشخاص الذين يملكون هاتفاً ذكياً في لبنان وصلت إلى 52%، مقابل 36% يحملون هاتفاً عادياً. وهو ما أوصله إلى المرتبة 15 عالمياً. وذكر التقرير أن نسبة النمو في هذا المجال وصلت إلى 7%، إذ ارتفع عدد الأشخاص الذين يمتلكون هاتفاً ذكياً من 45% في العام 2013 إلى 48% في العام 2014، وصولاً إلى هذه النسبة في العام 2015.
وفي السياق اللبناني أيضاً، تفيد التقارير الصادرة عن وزارة الاتصالات اللبنانية أن نسبة المشتركين اللبنانيين في الشبكة الخلوية ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الماضية. فقد وصل حجم النمو السنوي إلى 23.8% في الفترة الممتدة بين 2006 و2011، مقارنة بنسبة نمو وصلت إلى 19.7% في البلدان العربية خلال الفترة نفسها.
ونظراً إلى المكانة المتقدمة التي يحتلها لبنان إذا ما قورنت بنوعية الخدمة المقدمة مقارنة مع الدول المحيطة، فلا بد لنا من التركيز على تنمية وتطوير هذا القطاع الذي من دونه لن يكون للبنان قيامة في عهد التكنولوجيا وقطاع المعرفة.