ناريمان الشمعة
ما الذي يجري عند دوّار السلام على المدخل الجنوبي لمدينة طرابلس؟ حفر جديدة أُضيفت إلى الحفر المزمنة التي خلفتها مشاريع سابقة لا تعرف النهايات.
بحسب المعلومات يجري حالياً تمديد شبكتين للصرف الصحي من الكورة والقلمون لتتصلا بشبكة الصرف الصحي لمنطقة الضم والفرز الجنوبي، ومنها إلى البحر في الميناء، فيما محطة التكرير هناك لم تُنجَز بعد
تبدأ الحكاية من الكورة والقلمون لـ«تصل» إلى طرابلس. فالحفر الجديدة التي ظهرت على الطريق منذ أسابيع، تهدف ـ بحسب مصادر مطلعة في البلدية ـ إلى إنشاء شبكة «جمع وجرّ للصرف الصحي من الكورة والقلمون إلى محطة تكرير المياه المبتذلة في طرابلس، على أن تدخل من جهة البحصاص باتجاه شارع القدس، ومن ثمّ بولفار الشهيد محمد شطح، لوصلها مع شبكة الصرف الصحي لمنطقة الضم والفرز الجنوبي». توضح المصادر نفسها أنّ هذه الشبكة «ستستقبل شبكتين: الأولى لمشروع خط الصرف الصحي الرئيسي الواصل بين طرابلس ورأسمسقا، والثانية مشروع شبكات المياه المبتذلة لجرّ الصرف الصحي من منطقة القلمون وجوارها إلى محطة التكرير في طرابلس».
هذا هو الهدف. لكنّ ما يحصل على أرض الواقع ليس بالضرورة أن يكون «مطابقاً للمواصفات». فهذه الشبكة يفترض أن تصبّ في المحطّة. وبما أن المحطّة لم يكتمل العمل بها بعد، حتى هذه اللحظة، بسبب اعتراضات الأهالي على تكلفتها العالية ومخاطرها البيئية لشدّة قربها من الأماكن السكنية، فثمّة سؤال يُطرح هنا: إلى أين ستذهب تلك المياه الآسنة؟ وكيف ستُصرَّف؟
بالعودة إلى الشبكتين، لا بدّ من الإشارة أوّلاً إلى أنّ الشبكة الأولى الآتية من الكورة، والتي تقارب تكلفتها 12 مليون دولار، وتغطّي أكثر من 21 بلدة كورانية، كان يجدر أن تصل إلى محطة المعالجة. وهي المحطّة التي كان مقرّراً إنشاؤها في نطاق بكفتين العقاري بتمويلٍ فرنسي، «ولكن نتيجة خوف الأهالي من سوء إدارة المحطة، وما قد ينتج منها من تلوث، منعوا إنشاءها، فتُركت المياه المبتذلة تجري في الهواء الطلق لسنوات طويلة، قبل أن تصبّ في بالوع بكفتين، ومنه إلى وادي هاب، لتلوّث المياه الجوفية في مناطق الكورة وطرابلس». يومذاك، علت الصرخة، فاستجاب مجلس الإنماء والإعمار للمطالبة بإلغاء قرار إنشاء المحطة وتحويل أموالها لإنشاء شبكة لجرّ مجارير قضاء الكورة إلى محطة تكرير المياه المبتذلة في طرابلس.
أما الشبكة الثانية الآتية من القلمون، وتبلغ تكلفتها 16 مليون دولار، فقد ثارت حولها تساؤلات كثيرة عن جدوى الجرّ من القلمون إلى طرابلس، في الوقت الذي توجد فيه محطّة معالجة وتكرير بين بلدتي أنفه وشكا، وهو المكان الأقرب للقلمون من طرابلس.
هاتان الشبكتان الجاري تنفيذهما، يفترض وصلهما مع شبكات الصرف في «الضم والفرز». غير أنّ ما يحدث اليوم، أنّ شبكة الضم والفرز نفسها غير موصولة بمحطة التكرير في طرابلس، بسبب تعديات منطقتي حارة التنك والحارة الجديدة، التي منعت استكمال التمديدات إلى المحطة، فحُوِّلَت التمديدات إلى كورنيش جمال عبد الناصر لتصبّ مباشرة في بحر الميناء! هذا إن عنى شيئاً، فهو يعني أنّ مجارير بلدات الكورة والقلمون، وفق التمديدات الجديدة، ستصبّ في البحر أيضاً، ولسنوات طويلة. علماً أنّ هذه الشبكات الموصولة بمحطة التكرير غير المكتملة محالة إلى خط الطوارئ بشكل دائم، الذي يفترض أنه يعمل فقط في حالات الأعطال الطارئة. هذا الولوج المباشر يؤدي إلى نتيجة واحدة، هي أنّ المياه المبتذلة ستعبر المحطّة، لتخرج منها إلى البحر بشكلها الخام دون معالجة.
ليست هذه الشوائب آخر المطاف، فثمّة ما يمكن الحديث عنه هنا، هو أزمة المياه العادمة الصناعية التي ستصل إلى شبكات الجرّ بطريقة أو بأخرى، حيث لا رقابة عليها، ووصولها إلى الشواطئ دون معالجة يضاعف المخاطر البيئية، التي تصل إلى أعلى مستوياتها اليوم. فهذه المياه تختلف في مكوّناتها عن مياه الصرف الصحي المنزلي الذي أنشئت محطة التكرير لأجله، الأمر الذي سيؤدي إلى استحالة استقبال المحطة لهذا النوع من المكونات.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تشعّبت «استقبالات» محطة معالجة المياه المبتذلة في طرابلس، فبالإضافة إلى مياه الصرف الصحي الناتج من طرابلس والقلمون وقسم من قضاءَي الكورة وزغرتا، أضيفت مياه الصرف الآتية من مناطق البداوي ودير عمار والمنية الساحلية، كذلك جرى توصيل شبكة مخيم نهر البارد إليها أخيراً، مع ثلاث محطات ضخ وخطوط فرعية تصل إلى المخيم ومياه مناطق بحنين والمنية ومركبتا، لمسافة تقارب 13 كيلومتراً. كل ذلك يجري برغم إقرار مشروع بناء محطة تكرير في منطقة العبدة المجاورة لبلدة بحنين التي تبعد عنها كيلومترين اثنين فقط!
ثلاثة عشر عاماً علت في خلالها أصوات أهالي طرابلس والمختصين ضد مشروع محطة التكرير العملاقة في طرابلس، بسبب تكلفتها العالية التي تصل إلى 257 مليون يورو، بحسب العقد المبرم مع البنك الأوروبي للتثمير (أي ما يوازي 300 مليون دولار تقريباً)، ومخاطرها البيئية الكبيرة، خصوصاً أنها لا تبعد أكثر من 300 متر عن المساكن. غير أنّ تلك الأصوات لم تجد من يستجيب لها. والأنكى من ذلك أنّ ضخامة تلك المحطة شجعت على جرّ مياه صرف جميع المناطق إليها، حتى تلك التي لم تكن ضمن المخطط الأولي للمشروع. فبدلاً من إنشاء محطات صغيرة مناطقية ملائمة لاستخدامات كل منطقة على حدة، والاستفادة من المياه المعالجة للري، ها هي الكيلومترات تتضاعف بتكاليف خيالية. هكذا باتت طرابلس مصبّاً لصرف مجارير المناطق المحيطة كافة.
لكن مهلاً، أين أصبح المخطط التوجيهي العام للصرف الصحي؟ سؤال برسم مجلس الإنماء والإعمار والمعنيين لا يجد جواباً منذ سنوات طويلة..