عزة الحاج حسن
الخميس 23 حزيران/ يونيو، يقول البريطانيون كلمتهم إزاء إنفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، ويشاركون بإستفتاء تاريخي، فإما أن تستمر المملكة في كنف الاتحاد أو أن ترسم خريطتها السياسية والإقتصادية والاجتماعية بنفسها بعيداً من نظرائها الأوروبيين، في حال حصول الـ Brexit (دمج كلمتي Britain وexit).
الإستفتاء المرتقب إجراؤه، وإن كان سيحسم مصير بريطانيا حول خروجها من الاتحاد الأوروبي أو عدمه، إلا أنه في الحالين من المحتمل أن يُحدث هزة في أسواق المال في أوروبا والعالم بأسره قد تصل تردداتها إلى لبنان، ولاسيما أن البعض يذهب إلى احتمال حدوث هزة إقتصادية شبيهة بأزمة “ليمان براذرز”، التي فجّرت الأزمة العالمية عام 2008.
لبنان، رغم أن العلاقات التي تربطه ببريطانيا “خجولة” نوعاً ما، إلا أن القلق وجد له مكاناً لدى العديد من أصحاب الأعمال والمؤسسات التي تعتمد بنجاحها على أسواق لندن، ولاسيما بعد توسّع العلاقات اللبنانية البريطانية في السنوات القليلة الماضية، فما هو شكل وحجم العلاقة التي تربط لبنان ببريطانيا اقتصادياً؟ وما مدى احتمال أن تمتد تداعيات إنفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي إلى لبنان؟
بريطانيا ليست من أهم الشركاء التجاريين للبنان، وبالتالي لن يكون لخروجها من الاتحاد الأوروبي أثراً مباشراً على لبنان، بهذه العبارة يختصر رئيس “جمعية تجار بيروت” نقولا شماس العلاقة التجارية المشتركة بين لبنان وبريطانيا. ويقول في حديثه إلى “المدن”، إنه “في حال تراجع سعر صرف الجنيه الإسترليني، وهو الأمر المتوقع في حال الـBrexit، فإن لبنان سيستفيد من عملية الاستيراد لأنه يتعامل بالدولار واليورو، إلا أن هذا الأمر لن يكون ذا أهمية كبرى”.
غير أن ما يرسم شكل العلاقة بين لبنان وبريطانيا راهناً، وفق شماس، هو الإستثمارات الخاصة وإزدهار العديد من القطاعات التجارية والإنتاجية اللبنانية، التي انتقلت أخيراً من بيروت إلى لندن أو توسّعت في المملكة المتحدة، للإستفادة من سوق السياح العرب، الذين غيّروا وجهتهم السياحية من بيروت إلى لندن.
وعن الأعمال اللبنانية المستحدثة في لندن، التي انتقلت مع “الخليجيين” إلى المملكة، يؤكد الرئيس السابق لـ”جمعية الصناعيين” فادي عبود في حديثه إلى “المدن” أن المؤسسات وقطاعات الأعمال اللبنانية في أمان في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، “لأن العلاقات التي تربطها اليوم ببريطانيا بناء على اتفاقيات مع أوروبا، يمكن أن تتحول إلى اتفاقات ثنائية بين البلدين، وبالتالي لا قلق على الأعمال اللبنانية في لندن”.
ويشير عبود، وهو أحد المستثمرين اللبنانيين في بريطانيا، إلى عشرات المؤسسات اللبنانية التي انتقلت من بيروت إلى لندن وتوسعت فيها، ومنها مطاعم “مروش” و”نورا” و”الدار” و”فخر الدين”.. ويصل عدد المطاعم اللبنانية في لندن إلى نحو 35 مطعماً، إضافة إلى العديد من الشركات ومصانع المجوهرات والألبسة وشركات تأجير السيارات وغيرها من الأعمال.
وإذ يؤكد عبود أن علاقة لبنان مع بريطانيا تعد الأفضل في الاتحاد الأوروبي، باعتبارها من الأسواق المفتوحة والخالية من العراقيل، يرى أن حصول الـBrexit لن يغيّر في واقع العلاقات شيئاً.
ورغم أن التجارة بين لبنان وبريطانيا شهدت ارتفاعاً تجاوز الضعف خلال السنوات الماضية. إلا أن لبنان، وفق رئيس “غرفة بيروت وجبل لبنان” محمد شقير، استورد من المملكة المتحدة عام 2015 بقيمة 517 مليون دولار فقط، أي نحو 779.4 مليون ليرة. وصدّر إليها بقيمة 45 مليون دولار، أي نحو 67.7 مليون ليرة فقط. أما خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي (حتى 30-4-2016) فقد استورد لبنان من بريطانيا بقيمة 130 مليون دولار، أي نحو 195.8 مليون ليرة، وصدّر إليها 13 مليون دولار، أي نحو 19.1 مليون ليرة. من هنا يرى شقير، في حديثه لـ”المدن”، أن لا أثر حال انفصال بريطانيا على القطاعات الإقتصادية اللبنانية، ولا على حركة التبادل.
وعن المصارف اللبنانية في بريطانيا، وهي ثلاثة (بنك لبنان والمهجر، بنك بيبلوس وبنك بيروت)، ومدى تأثرها بالهزة المرتقب وقوعها في أسواق المال في حال إنفصال بريطانيا، يطمئن رئيس مجموعة “بنك بيبلوس” فرانسوا باسيل، في حديثه إلى “المدن”، أن لا خوف على الإطلاق على المصارف اللبنانية في لندن، بخلاف المصارف الأوروبية، “لأن مصارفنا تعمل في خدمة زبائنها فحسب، ولا تشارك في أي أعمال داخل بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي عموماً”.
وفي حال صحّت توقعات محللي “بنك غولدمان ساكس” بأن الجنيه الإسترليني قد يفقد 11 في المئة من قيمته أمام سلة من العملات الرئيسة، إذا اختار البريطانيون الخروج من الاتحاد، يؤكد باسيل عدم تأثر لبنان بما فيه أصحاب الأعمال لأنهم يتعاملون بالدولار واليورو. ما يعني أن انخفاض الإسترليني لن يؤثر سلباً، لا بل ربما يترك أثراً إيجابياً في بعض الحالات.