مع قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الاوروبي في استفتاء بدأت المخاوف تسري من غرق اقتصاد بلدهم في المجهول وقد يعاني من صدمة تزعزعه فتتسبب بتباطؤ النمو وارتفاع البطالة.
وركز انصار البقاء في الاتحاد الاوروبي حملتهم على مخاطر انهيار الاقتصاد غير ان تحذيراتهم لم تكن كافية، وباتت بريطانيا بعد الاستفتاء المدوي في مواجهة عاصفة اثارها قرار الخروج من الاتحاد.
والنتيجة الانية لهذا القرار قد تكون ازمة مالية مصغرة قد لا تقتصر على حي المال والاعمال في لندن، بل تتخطى حدود المملكة المتحدة، اذ ان خروج القوة الاقتصادية الخامسة في العالم من اوروبا سيكون له حتما وقع كبير في العالم.
وتراجعت بورصات العالم بعد صدور نتائج الاستفتاء بشكل معاكس للتوقعات، كما بدأت المخاوف من أن تشهد أسواق السندات توترات كبرى وسط تراجع الجنيه الاسترليني الى 1,33 دولارا خاسرا 10% من قيمته خلال النهار بعدما توقع رجل الاعمال الكبير جورج سوروس ان يهبط بنسبة لا تقل عن 15%.
وبمعزل عن تراجع الاسواق، من المتوقع ان تكون وطأة هذا القرار البريطاني على الاقتصاد كبيرة. وان كان الخبراء اختلفوا على المخاطر التي قد تنجم عنه، الا انهم يتوقعون بصورة اجمالية عواقب سلبية اقله للسنوات القليلة المقبلة بسبب مجموعة من المخاطر الفادحة.
وحذرت الحكومة البريطانية بان المفاوضات حول شتى المسائل التي يطرحها خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، ومنها شروط الخروج وابرام اتفاقيات جديدة مع دول الاتحاد ومعاهدات تجارية مع دول خارج الاتحاد المرتبطة معه بتفاهمات قد تستغرق ما لا يقل عن عقد من الزمن.
وهذا ما يجعل لندن تتوقع “فترة طويلة من الغموض” تترافق مع “عواقب بالنسبة للشركات البريطانية والتجارة وجاذبية الاستثمارات”.
وقد تتكثف الحواجز التجارية خلال هذه الفترة الانتقالية وتوقعت منظمة التجارة العالمية ان يترتب على المصدرين البريطانيين دفع 5,6 مليارات جنيه استرليني سنويا من الحقوق الجمركية الاضافية.
كما حذر مدير مركز الابحاث في الاقتصاد والاعمال سكوت كورف بان “العديد من الشركات تستخدم بريطانيا كبوابة دخول الى اوروبا وحذر عدد منها بنقل مركزها الاوروبي في حال خروج بريطانيا من الاتحاد”، متوقعا تراجع الاستثمارات الصينية والاميركية.
وخاض انصار الخروج من اوروبا حملة ايضا للحد من الهجرة ما سيؤدي الى تراجع تدفق اليد العاملة القادمة من اوروبا الشرقية والغربية والتي عززت الاقتصاد في السنوات الاخيرة.
وظهرت مخاوف من أن يحد خروج بريطانيا من النمو الاقتصادي الحيوي المسجل منذ سنتين، حيث يدرس صندوق النقد الدولي سيناريو سلبيا يشهد فيه الاقتصاد البريطاني انكماشا العام المقبل ما سيؤدي الى ارتفاع البطالة مجددا من 5% حاليا الى 6,5% في غضون سنتين.
وهذا الوضع الاقتصادي سيجفف العائدات الضريبية ويتوقع معهد الدراسات المالية ارباحا فائتة سنوية تتراوح بين 20 و40 مليار جنيه استرليني حتى العام 2020 آخذا في الاعتبار في حساباته وقف المساهمة البريطانية في ميزانية بروكسل.
وحذرت وكالة “ستاندارد اند بورز” للتصنيف الائتماني بان بريطانيا ستخسر نتيجة لذلك تصنيفها الاعلى “ايه ايه ايه” الذي تمنحه لها بصورة متواصلة منذ نصف قرن.
وفي سياق البلبلة المالية المرتقبة، فان الحي المالي في لندن قد يخسر من جاذبيته، وتخشى المصارف ان تفقد حقها في بيع خدماتها المالية بدون قيود انطلاقا من المملكة المتحدة الى دول الاتحاد الاوروبي.
وتعتزم مصارف HSBC البريطاني و”جي بي مورغان” و”مورغان ستانلي” و”غولدمان ساكس” الاميركية نقل وظائف الى خارج بريطانيا بحسب ما افادت مصادر داخل هذه المؤسسات، وقد تطاول هذه العمليات بصورة اجمالية حوالى 100 الف وظيفة مالية بحسب شركة الضغط “ذي سيتي يو كاي”.
وقد ينعكس قرار الانسحاب على قطاعات التصنيع مثل قطاع الطائرات ولا سيما شركة “ايرباص” الاوروبية, او قطاع صناعة السيارات المزدهر في بريطانيا، وهي قطاعات قد تعاني من حواجز ضريبية جديدة، في حين لن يعود بوسع قطاع الانشاءات والاشغال العامة الاعتماد كما الان على تدفق اليد العاملة من المهاجرين.
ولن تقف الاضرار عند هذا الحد بل ستطاول صورة المنتجات البريطانية نفسها وقال سكوت كورف “هناك خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي وبات الناس يتوقعون منذ الان للبلاد نزاعا حول استفتاء ثان محتمل حول استقلال اسكتلندا… لم تعد بريطانيا تبدو آمنة بالقدر الذي كانت عليه من قبل”.