Site icon IMLebanon

غوبلز و”إسعاف” الضاحية (بقلم طارق نجم)

 

كتب طارق نجم:

 

أغرقت ماكينة “حزب الله” الدعائية طوال اليومين الماضيين المواظنين القاطنين في الضاحية الجنوبية لبيروت بفبركة إعلامية قد لا تجافي الحقيقة، ولكن تم توظيفها بأسلوب مضخّم يخدم المصلحة العليا للحزب. فقد روّج الحزب وأتباعه الى خبر مفاده أنّ هناك سيارة إسعاف مفخخة من المتوقع أن تدخل الى الضاحية الجنوبية كجزء من عملية انتحارية “تكفيرية”. وانتشر الخبر وتناقلته السوشيال ميديا بكثافة حتى وصل بهم الأمر إلى تحديد لون السيارة ورقم لوحتها وحتى الملامح العامة للسائق بل والطريق التي سلكتها من نفق طريق المطار. وبفعل ذلك أبلغت جميع الجهات والجمعيات التي تنشط في مجال الدفاع المدني وعمليات الإغاثة فضلاً عن الصليب الأحمر اللبناني أنّه يتوجب عليهم إعلام عمليات الحزب مسبقاً بأي تحرك لسياراتهم القادمة إلى الضاحية الجنوبية قبل انطلاقها.

تلقف الجمهور الحزبي وغير الحزبي هذه الدعاية وشحن الحزب من خلال خبر الإسعاف حاضنته الشعبية واستنفر عناصره و”مناطقه” وانتشرت حواجزه حتى خارج النطاق المتعارف عليه للضاحية فظهر المسلحون بكامل عتادهم من خلال حواجز في الأوزاعي ومحيط بئر حسن وطريق المطار، وهم يوقفون السيارات ويسعون وراء سيارة “الإسعاف”. وفق أسلوب “راجح” في مسرحية “بياع الخواتم” للأخوين رحباني والتي تحولت لاحقاً الى فيلم سينمائي، لجأ الحزب الى هذه الألعوبة النفسية لسيارة الإسعاف وحقق غايته المرجوة: التعمية على الخسائر الجسام التي لحقت به في ريف حلب واستيعاب المناخ الشعبي الممتعض والساخط في أحسن الأحوال إن لم يكن أكثر من قبل أهالي جرحى وقتلى “حزب الله” في الميدان السوري، فتغدو تعبئة الضاحية خير أسلوب للتعامل مع خسائر ريف حلب! إنها الحركة البهلوانية التي يقفز بها الحزب من كونه جلاداً بل ومصاصاً لدماء أهله وللشعب السوري إلى دور الضحية بل و”حامي الحمى” لمن جلب لهم الويلات. حالة الهلع التي عاشها الأهالي خلال اليومين الماضيين كانت كفيلة بخلق شعور تلقائي بالتضامن المجتمعي فيما بينهم (ومع حزب الله كونه أحد المكونات لهذا المجتمع) وكذلك رفع الإحساس المناطقي بالاستهداف من أجل تصليب مجتمع الضاحية الجنوبية أي “أيرنته” (وهي العبارة المشتقة من فعل تأيّر أي اشتدّ وتصلّب وفق المعنى العربي القديم) والتي تتقاطع بمعناها أيضاً من جانبها الأكثر حداثة ومعناه الحاقها بالنظام الإيراني…ولعل لها معانٍ اخرى لسنا بوارد ذكرها في هذا المقام!

نعم، يجب الاعتراف أن “حزب الله” نجح وفق المحللين الإسرائيليين بل وأتقن ممارسة الحرب النفسية ضد إسرائيل المصنفة ضمن خانة الأعداء (حتى إشعار آخر من الحزب!) ومنها مثلاً صورة اسعاف المنصوري المليئة بجثث المدنيين القتلى في عناقيد الغضب عام 1996. أما “إسعاف” الضاحية الوهمية والتي لا دليل على وجودها، فهي تمثّل انعطافة في فنون الحرب النفسية لدى لحزب فيما خصّ الفئة المستهدفة حيث بات يمارس هذه الألاعيب على من يصفهم بأنّهم “أشرف الناس أي بيئته الاجتماعية، ليخدعهم وليتلاعب بعواطفهم وليحافظ عليهم جنداً ضمن المشروع الكبير المرتكز على منطلقات أيديولوجية. جوزيف غوبلز وزير البروباغندا النازي الذي قال يوماً وهو يصف بعض تكتيكاته الدعائية “نبحث عن الأقليات الموتورة ، وعن الزعماء الطموحين الفاسدين وذوي العصبيات الحادة والميول الإجرامية فنتبناهم ونحتضن أهدافهم ونهول مظالمهم ونهيج أحاسيسهم بمزيج من الدعاية والشائعة” لقد تبنى “حزب الله” نظرية غوبلز وطبقها فاحتضن جميع المذكورين بجميع عللهم وعشائرهم، ورفع الشعور لديهم بالمظلومية التاريخية واغرقهم بالشائعات والغيبيات. وكما جلب النازيون الخراب الى ألمانيا، يجلب “حزب الله” الخراب الى أهله.