كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار”:
الهدوء الذي طبع أخيراً ملف العقوبات الأميركية على حزب الله، لا يلغي أن تأثيرات القانون، مصرفياً وسياسياً، لا تزال تتقدم على غيرها في النقاشات السياسية الداخلية، وسط تضارب في شأن التعامل مع ارتدادات القانون وأسلوب تنفيذه لبنانياً.
ويجزم المطلعون على الحيثيات الأميركية للقانون بأن السقف المرسوم لن يُتراجع عنه، ولا سيما في المرحلة الراهنة التي تشهد سباقاً رئاسياً تعدّ مكافحة الإرهاب أحد عناوينه الأساسية. ويبدي هؤلاء خشيتهم من أن تصبح محاربة حزب الله، عبر هذا القانون، مادة جذابة و»قابلة للبيع والشراء» إرضاءً للوبي اليهودي الفاعل في الانتخابات الأميركية، الأمر الذي سيسلّط الضوء عليه أكثر في الأشهر الفاصلة عن موعد الانتخابات. كذلك ثمة تخوف من أن التركيز الأميركي على القانون، يعزّز محاولات واشنطن لاسترضاء الرياض، وبرز آخر تجلياتها في خلال زيارة وليّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان لواشنطن، والتأكيدات الأميركية لفصل العلاقة مع إيران والملف النووي عن السياسة المتشددة تجاه حزب الله. وهذا يعني، عملياً، أن لا تراجع «سياسياً» عن القانون الذي سلك مسلكه العملي، ولا يمكن مقاربته أميركياً إلا من خلال التشدد في مراقبة تطبيقه وتنفيذ العقوبات تباعاً على حزب الله، وتجفيف موارده بحسب ما تقتضيه المتطلبات الأميركية. أما كل ما عدا ذلك من تفسيرات لبنانية محض، فلا يعدو كونه اجتهادات محلية، لا تأثير لها بمسار آلية تطبيق القانون وتعامل المصارف اللبنانية معه بحرفيته. وفي انتظار جلاء نتائج الانتخابات الأميركية، ومجيء السفيرة الأميركية الجديدة اليزابيت ريتشارد، المكلفة مراقبة تطبيق لبنان للقانون، لا يبدو أن هناك متغيرات تذكر.
جاء التفجير الذي استهدف «بنك لبنان والمهجر» ليضفي على ملف العقوبات مزيداً من الضغط ــــ وإن كان قد أسهم في سحبه أكثر من التداول الإعلامي ــــ بين من يتهم الحزب بالوقوف وراء التفجير كرسالة تحذير إلى القطاع المصرفي وإلى من يقف وراء التشدد في تنفيذ القانون الأميركي، وبين من يرى أن هناك طرفاً ما استفاد من هذه اللحظة ليورّط حزب الله والقطاع المصرفي ويمسّ بالاستقرار النقدي لأول مرة منذ سنوات طويلة.
بين النظريتين، تحركت خطوط الاتصال بين المصارف والحزب في صورة غير مباشرة، أمنياً وسياسياً ومصرفياً، لطمأنة القطاع المصرفي والحزب على السواء، ويجري التداول في سيناريوات للتهدئة تعمل على تنفيذ القانون الأميركي في شكل مضبوط تحت سقف مصرف لبنان، ولكن وفق صيغ متقدمة عن التعميم الذي أصدره المصرف منذ بداية الأزمة.
وهناك طريقتان لتطبيع التهدئة الحالية، بحسب معلومات سياسيين مطلعين على موقف حزب الله يعملون على تعزيز الثقة بينه وبين المصرف المركزي، الأولى تتعلق بطريقة التنفيذ المصرفية إدارياً وعملانياً، وهو الأمر الذي بدأ يتحقق بفعل تحرك حاكم المصرف رياض سلامة بين «النقاط الساخنة»، وتجاوب المصارف، خصوصاً تلك التي أبدت تشدداً في السابق، بعدما لمست خطورة ذهاب «البيئة الحاضنة» للحزب التي تودع حساباتها في المصارف إلى التشدد بدورها في الرد على أي خطوة تجاه الحزب. علماً أن هذه المصارف استفادت من حركة الأموال والمساعدات النقدية ــــ من هذه البيئة تحديداً ـــــ التي عرفها لبنان بعد حرب تموز 2006، وهو أمر يدركه من كانوا آنذاك في مواقع مسؤولية.
أما الطريقة الثانية، فهي تعديل نص التعميم الصادر عن مصرف لبنان، بناءً على تمنيات حزب الله بالحصول على طمأنات إضافية. وحتى الآن، ثمة نصائح بعدم تعديله كي لا يعطي لاحقاً عكس مفعوله، وإنما الاكتفاء بطريقة التنفيذ العملانية التي يعتمدها المصرف المركزي عبر هيئة الرقابة. ولا سيما أن هذه الطريقة أثبتت فاعليتها بعد الهامش الواسع الذي أُعطي للهيئة في ردّ طلبات بعض المصارف لإقفال الحسابات، لتقتصر عملية الإقفال الفعلية على أقل من الأعداد (وهي بالمئات) التي كانت رفعتها المصارف. علماً أن البحث العملي كان يتركز على ضرورة ملاحقة العمليات المصرفية التي يمكن أن تقع عليها شبهات وليس ملاحقة الأشخاص أو المؤسسات، أياً كانت هوياتهم، ولا سيما غير المشمولين بلائحة الخزانة الأميركية.
ورغم كل المؤشرات التي تدل على التغاضي الأميركي عن الوضع اللبناني، ورغم أن الموفدين الأميركيين سبق أن أكدوا تشددهم في تنفيذ القانون وإقفال حسابات من وردت أسماؤهم في لائحة الخزانة الأميركية، يؤكد هؤلاء السياسيون أن الأميركيين لن يغامروا في زعزعة الوضع الداخلي، لا بل إنهم «لم يطلبوا أخيراً التوسع بالقانون ولا أعطوا إيحاءات بافتراضات معاكسة لنصه، وأبلغوا مصرف لبنان بالعمل على ملاءمة تنفيذ القانون بما لا يؤدي إلى تدهور الوضع الداخلي، ولا سيما بعد متفجرة بنك لبنان والمهجر».