كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
قبل نحو أسبوعين عُقد في وزارة الخارجية الاميركية اجتماع مغلق بدعوة منها، حضرَه ممثلون عن رؤساء بعثات كل الدول المشاركة مع الولايات المتحدة الاميركية في التحالف الدولي العسكري في كل من العراق وسوريا ضد تنظيم “داعش”. واستمع المشاركون الى “تقدير موقف” عرضَه بريت ماكغورك المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة “داعش”، وذلك حول حال الحرب الدولية على التنظيم وما حقّقته، والخطوات العسكرية والسياسية التي يعتزم التحالف اتّخاذها في المستقبل المنظور.
حصلت “الجمهورية” من مصدر مطلع على أبرز الخلاصات الاستنتاجية والمعلوماتية التي طُرحت خلال نقاشات هذا الاجتماع، وفي الإحاطة المقدّمة إليه من ماكغورك، كان أبرزها ما تمّ كشفه لجهة أنّ الرئيس الاميركي باراك أوباما “اتّخذ فعلياً منذ أشهر قراراً بتحرير الرقة”، وأنّه “خلال المستقبل القريب ستَعمل قوات التحالف للدفع بمسار عسكري لإخراج “داعش” من عاصمتها في الرقة، تنفيذاً لقرار أوباما”.
وتكشف الخلاصات التي طُرحت في اجتماع وزارة الخارجية الاميركية عن وجود صلة وثيقة بين السعي في غضون فترة قريبة إلى تنفيذ قرار أوباما بتحرير الرقة من جهة، وفتح معركة منبج الراهنة من جهة ثانية، من “قوات سوريا الديموقراطية” المدعومة بكثافة من التحالف الدولي، ذلك أنّ قيادة التحالف “تعتبر أنّ تطويق مدينة منبج يمثل عملية استراتيجية لقطع الإمدادات عن الرقة”.
كما أنّ “قيام قوات سوريا الديموقراطية بهذه العملية الاستراتيجية يقدّم نموذجاً للعمليات العسكرية التي ستحصل مستقبلاً في سوريا”، وذلك لجهة التأكيد أنّ قوات التحالف الدولي لا تنوي الآن، ولا في المستقبل، المشاركة في عمليات برية عسكرية، بل ستترك هذا الأمر للقوات المسلحة “المحلية والحليفة” لها. وستطبّق دول التحالف معادلة النأي بالنفس عن المشاركة في العمل العسكري البرّي على سيناريو تحرير الرقة.
وعلى عكس الحال مع سوريا، تُبدي دول التحالف تجاه الحرب ضد “داعش” في العراق حذراً أقلّ لجهة المشاركة البرية المحدودة أو ذات الطابع المؤازر لقوات الحكومة العراقية؛ وتكشف خلاصات اجتماع وزارة الخارجية الاميركية أنّه خلال المرحلة القريبة الماضية تَركّز اهتمام واشنطن على تشجيع الحكومة العراقية لإطلاق الحملة العسكرية ضد “داعش” في الموصل.
ولتركِ انطباع ثقة لدى بغداد، تمركزَت قوات تابعة للتحالف الدولي في قاعدة مجاورة لميدان الموصل بهدف مؤازرة القوات العراقية التي كانت تستعدّ لشنّ الهجوم.
وتَكمن المشكلة في الموصل بالخوف على مصير قاطنيها الذين يتجاوزون المليوني مواطن، نتيجة اندلاع الحرب في مدينتهم. ولحَلّ هذه المشكلة، أوعزَ أوباما بضرورة أن يتزامن إطلاق الحملة العسكرية في الموصل مع إطلاق حملة إنسانية واقتصادية لإغاثة أهلها. وبحسب إحاطة ماكغورك فإنّ قوات التحالف الدولي لا ترغب في اقتحام الموصل بل عزلها فقط وضرب “داعش” داخلها.
إلى ذلك، تكشف خلاصات الاجتماع معطيات أساسية أخرى عن الحال الراهن للحرب الدولية على “داعش”، وعن موقع هذه الحرب داخل التكفير الدولي:
أوّلاً – تعترف خلاصات الاجتماع بأنّ مهمّة التحالف الدولي في سوريا والعراق لا تزال صعبة ومحفوفة بالمخاطر، على رغم أنّها أحرَزت تقدّماً كبيراً على مستويَين:
– تحقيق أهداف سياسية وعسكرية ومالية، ويظل أبرزها تقليص الرقعة الجغرافية لـ”داعش”، خصوصاً أنّ حدود الدولة الإسلامية لم تعُد تلامس الحدود الدولية إلّا في نقاط صغيرة.
– إيصال رسالة إحباط مضادة لتنظيم الدولة وخلاياه عبر العالم.
ثانياً – تكشف نقاشات اجتماع وزارة الخارجية أنّ قيادة التحالف الغربي تضع أربعة معايير تقيس من خلالها نسبة النجاح الذي تحقّقه حملتها العسكرية ضد “داعش” في كلّ من سوريا والعراق: المعيار الأوّل هو مدى النقص الذي أصابَ “داعش” في مجال قدرتها على تنظيم مبادرات عسكرية تمكّنها من التوسّع جغرافياً والوصول إلى مناطق تؤمّن لها مداخيل ماليّة؛ المعيار الثاني هو مدى النجاح في إحباط قدرة “داعش” للسيطرة على مناطق لها صفة أنها حدود دولية، خصوصاً مع كلّ مِن تركيا والأردن.
المعيار الثالث يتمثّل في مدى النجاح في حرمان “داعش” من التحرّك بسلاسة داخل المناطق التي تسيطر عليها وانتقال شبكاتها وحيوياتها اللوجستية من منطقة إلى أخرى داخل العراق وسوريا وبين البلدين. أمّا المعيار الرابع فيتمثّل في مدى النجاح المحقّق في مجال تقليص جاذبية “داعش” لتجنيد واستقطاب مقاتلين أجانب.
بدت نقاشات الاجتماع متفائلة لجهة تثمين النتائج المحقَّقة حتى الآن على مستوى المعايير الأربعة الآنفة، ولكنّها من جهة أخرى اعترفَت بأنّ خطة حرب التحالف الدولي واجهَت انتكاسات وإحباطات في بعض الأحيان، وذلك في أمكنة كثيرة.
ثالثاً – ثمَّة ثلاث ملاحظات لافتة تضَمَّنتها ورقة الإحاطة؛ تتمثّل الأولى في أنّها لا تتحدّث عن “إسقاط منبج” بل “عن تطويقها”، وذلك ربطاً “بهدف قطع الإمدادات عن الرقة”. وتتمثّل الملاحظة الثانية في ما عكسَته عن وجود تقدير موقف مستجد في قيادة التحالف الدولي يَعتبر أنّ “ ليبيا أصبحت بديلاً عن العراق وسوريا في عملية اجتذاب المقاتلين الأجانب”.
وتتعلق الملاحظة الثالثة باعتراف الإحاطة بأنّ مصير أبو بكر البغدادي لا يزال مجهولاً، فليس من تأكيد حول موته أو بقائه حيّاً، على رغم تصريح منسوب إليه صدر بدايات الشهر الجاري ويَشي مضمونه بأنّه يعترف بإمكانية خسارته للموصل واقتراب القوات المناوئة له لحدود الرقة.