طوني رزق
إهتزّت الاسواق المالية أمس بفِعل زلزال تصويت البريطانيين وقرارهم الخروج من الاتحاد الاوروبي. وبادر رئيس الحكومة البريطاني الى الاستقالة ايضاً في حين تلقّت المصارف البريطانية خصوصاً ضربة قوية مع تراجع أسهمها نحو 30 في المئة وشهد الجنيه الاسترليني نوعاً من الانهيار وبدأ التحذير من تفكيك الاتحاد الاوروبي بحسب الخبراء وفي طليعتهم المرشح الجمهوري الاميركي للرئاسة دونالد ترامب.ضجّت الاسواق المالية العالمية امس بعدما تأكد تصويت غالبية البريطانيين على الخروج من اوروبا. انها حقبة تاريخية جديدة وضربة قاسية وقد تكون قاضية على المدى الطويل على الاتحاد الاوروبي واليورو بشكل خصوصي.
وعلى رغم استطاعة رئيس الحكومة البريطانية دايفيد كاميرون تجاهل نتائج التصويت بفارق بسيط لصالح الخروج من اوروبا، وعلى رغم انّ تقنية خروج بريطانيا من التركيبة الادارية الاوروبية المتعددة الجوانب يتطلب وقتاً قد لا يقلّ عن العامين، الّا انّ الاسواق تفاعلت بنوع من الوحشية أمس مع تراجع حاد في اسعار العملات والاسهم والنفط وارتفاع مقابل في سعر الذهب.
وليس هناك أي عملية مشابهة على مدى التاريخ لقرار خروج بريطانيا من اوروبا، كما انه ليس هناك تفاعلات وردّات فعل في الاسواق في التاريخ كالتي شهدتها الاسواق امس وسوف تشهدها في المدى المنظور.
ومع تزايد نسبة الغموض في الاسواق أقبل المستثمرون امس على التوظيفات الأكثر اماناً مثل الذهب حيث ارتفعت الخيارات المستقبلية على الذهب بنحو 8% قبل ان تتراجع بعد ذلك.
ومع توقع الخبراء على نطاق واسع ان يكون الخيار الذي اتخذه البريطانيون بمثابة قفزة في المجهول للاقتصاد البريطاني في تباطؤ للنمو وارتفاع نسبة البطالة، كان الجنيه الاسترليني منخفضاً بعد ظهر امس بنسبة 7,58 في المئة الى 1,3881 دولار، وسط توقعات بأن يتراجع الى 1,10 دولار لاحقاً.
وبما انّ هذا الخروج البريطاني يشكّل نوعا ما سَحب الثقة بالاتحاد الاوروبي، كان لا بد ان يتلقّى اليورو ضربة قاسية وهذا ما حصل إذ تراجع صباحاً الى 1,09 دولار قبل ان يستعيد بعض انفاسه مرتفعاً الى 1,6109 لتبلغ خسارته 2,77 في المئة وخسر اليورو نحو 5,98 في المئة مع تراجعه الى 114,52 يناً.
وارتفع الدولار الاميركي 1,35 في المئة الى 0,9759 فرنك سويسري، و3,06 في المئة الى 0,7403 دولار مقابل الدولار الاوسترالي. لكنه تراجع امام الين الياباني المعتبر ملاذاً آمناً بنسبة 3,32 في المئة الى 103,7 ينّات.
امّا النفط فتراجع بقوة ايضاً على خلفية انّ هذا الخروج سوف يضعف نسبة النمو الاقتصادي، وبالتالي الطلب على استهلاك النفط. فانخفض سعر نفط برنت الخام 4,36 في المئة الى 48,69 دولاراً للبرميل وتراجع نفط نايمكس 4,23 في المئة الى 48,79 دولاراً للبرميل وذلك في تداولات بعد ظهر امس.
وكانت بورصة طوكيو في طليعة البورصات العالمية الخاسرة امس وقد تضررت ايضاً من الارتفاع القوي للين الياباني فانخفض مؤشر نيكي 7,92 في المئة الى 14952 نقطة. وتراجعت الاسهم في الصين 1,33 في المئة ومؤشر هانغ سنغ 2,92 في المئة الى 20259 نقطة.
وفي حين انخفضت بورصة لندن 4,61 في المئة الى 6046 نقطة، تراجعت بورصة فرانكفورت 6,15 في المئة وبورصة باريس 7,39 في المئة الى 9627 و4136 نقطة على التوالي. كذلك اتجهت بورصة وول ستريت للفتح على تراجع بنحو 3 في المئة الى 17445 لداو جونز و2034 لستاندرد اند بورز و4311 نقطة لناسداك.
إستقالة كاميرون
وزاد الامر سوءاً أمس مع اعلان رئيس الحكومة البريطاني دايفيد كاميرون استقالته ايضاً على نتائج التصويت، على رغم انّ هذه الاستقالة سوف تبقى معلّقة حتى شهر تشرين الاول المقبل.
ويبدو انّ الامور قد لا تقف عند خروج بريطانيا من اوروبا والتداعيات العملاقة في مختلف الاسواق المالية العالمية وفي الاقتصاد العالمي، اذ انّ شهيّة دول اوروبية بدأت تتجه نحو خيار الخروج من اوروبا. وسوف يجتمع البرلمان الاوروبي يوم الثلثاء المقبل لتقييم نتائج خروج بريطانيا.
وتوقّع خبراء ان تكرّ السبحة اذ إنّ دولاً اوروبية سوف ترفض ان تتحمل اكثر مسؤولية تمويل دول اخرى في الاتحاد الاوروبي. وبذلك يتوقع ان تحصل استفتاءات مماثلة وبالجملة.
وكان بنك انكلترا خصّص سيولة بقيمة 250 مليار جنيه استرليني لضَخّها في السوق في حال الحاجة اليها لامتصاص ردّات الفعل والتداعيات ومواجهة ايّ خلل في استقرار السوق المالي وحركة العرض والطلب.
وسجّل إقبال كبير على سندات الخزينة الاميركية بصفتها ملاذاً آمناً للأموال الهاربة من تقلّبات الاسعار الجنونية في الاسواق المالية عقب إعلان نتائج التصويت البريطاني، والتي أظهرت تصويت نحو 17,4 مليون بريطاني مع خروج بريطانيا من اوروبا في حين بلغ عدد الذين يريدون البقاء في الاتحاد الاوروبي الذي يضم 28 دولة نحو 16,14 مليون شخص.
فتراجعت العائدات على سندات الخزينة الاميركية التي مدّتها عشر سنوات من 1,74 في المئة الى 1,50 في المئة بعد ان سجلت ادنى مستوى منذ العام 2012 اي 1,40 في المئة. وتتراجع العائدات عند ارتفاع الطلب على السندات، في حين ترتفع هذه العائدات عند تراجع الاقبال.
وكان جورج سوروس المستثمر العالمي اعتبر انّ الاسواق سوف تشهد يوم جمعة أسود وبعده سيكون ركود اقتصادي. وانّ كل بريطاني سوف يخسر سنوياً ما بين 4400 و7335 دولاراً اميركياً وذلك بناء لدراسات من بنك انكلترا ومن صندوق النقد الدولي. وتوقّع هبوط الاسترليني ما بين 15% و20%.
امّا المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية دونالد ترامب فاعتبر انّ البريطانيين استرجعوا بريطانيا بعد التصويت للخروج من اوروبا، كما اعتبر انّ نتيجة التصويت أعلنت بدء تفكك الاتحاد الاوروبي. ويعاكس ترامب رأي الرئيس الاميركي باراك اوباما بهذا الشأن، ويتوقع ان تكون سكوتلندا الدولة التالية التي تترك اوروبا علماً انّ ترامب هو ذو جذور عائلية اسكوتلندية.
وسوف يعاني نحو 2,2 مليون عامل في النظام المالي البريطاني من سنوات كثيرة من الشكوك والغموض ومخاطر البطالة بعد قرار الخروج من اوروبا، ممّا قد يهدد دور بريطانيا كمركز مالي عالمي رئيسي.
غير انّ الرأي الآخر ما زال يعتبر انّ يوم التصويت بالنتيجة المعلنة يجب ان يعتبر يوم استقلال لبريطانيا من سلطة رجال الاعمال ورجال السياسة الخارجيين بدءاً من الرئيس الاميركي باراك اوباما.
واعتبر مسؤولون في ألمانيا انه يوم حزين لأوروبا ولبريطانيا. وكانت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل دعت كلّاً من قادة فرنسا وايطاليا للاجتماع في برلين للبحث في الخطوات المقبلة، خصوصاً انّ مصير ملايين الاوروبيين الذين يعملون حالياً في بريطانيا بات موضع مراجعة.
إنها ردة فعل بريطانيا على الاجتياح الكبير للقارة من قبل النازحين التي بدأت تقضّ مضاجع مختلف الدول. فهل تبادر الدول الاخرى الى ردات فعل مماثلة؟ وهل يتمكن اليورو من الصمود والاستمرار؟ والى أيّ مدى سوف يتضرر الاقتصاد البريطاني والاوروبي والعالمي جرّاء ذلك؟
انها اسئلة كبرى وخطيرة سوف تحمل الايام والاشهر المقبلة أجوبتها القاسية على الارجح.