كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
أكثر من شهر مرّ على الإنتخابات البلدية في قضاء كسروان، الذي اختُصرت معاركه في عاصمته جونية. أضاءت هذه الإنتخابات على اسم جديد يرغب في دخول كسروان، هو العميد المتقاعد شامل روكز. برز اسمه وكأنه لاعب أساسي في تلك الانتخابات، تحضيراً للمعركة النيابية. بعيداً عن “الشاعرية” الشعبية المرتبطة باسمه، هل فعلاً ولّدت الانتخابات البلدية مشروع نائب مستقبلي؟
شامل روكز ليس الضابط الوحيد في الجيش اللبناني الذي “سكّر خطّه”، مشاركاً في معارك “الدفاع عن السيادة” اللبنانية. الأسماء العسكرية كثيرة وقد لا تقل أهمية عن القائد السابق لفوج المغاوير. إلا أن روكز من القلة، إن لم يكن الوحيد، بعد “ظاهرة” عون، التي لا تزال تحظى بعطف وشعبية خاصة بها. عوامل عدة ساهمت في ذلك، أبرزها إدراكه قبل سنوات أهمية التواصل المباشر مع الناس.
أضاف إلى مهمة فوج المغاوير القتالية مهمة “ترفيهية”، فبات الفوج “السيادي” متاحاً لعروض نهاية العام الدراسي ومهرجانات الصيف وحفلات جوليا بطرس، إعتقاداً من روكز بأن هذه الطريقة تكسر “الجليد” والجدية في العلاقة القائمة بين السلطة العسكرية والناس من دون أن تنتقص من هيبته.
“مشوار مع مغوار” كانت نقطة أخرى في الاستراتيجية التي اتبعها روكز والقائمة على تنظيم سباقات مدنية وعسكرية في الجبال اللبنانية، بحضوره. لم يتخل عن عاداته بعد تقاعده، فلا يمر أسبوع من دون أن تنتشر صوره مع شبان وشابات في أحد الجرود بعد مشوار “هايكينغ”، آخرها في اهمج (جبيل) مع النائب سيمون أبي رميا. اشارات “الصح” التي يرفعها المشاركون في نشاطات روكز تُبرز هوية القاعدة التي يرتكز عليها. علماً أنه لا يُفوّت مناسبة إلا يُذكر فيها بأنه لا ينتمي تنظيمياً إلى التيار الوطني الحر، وأن ما يجمعه بهذا الحزب ليس السياسة بل الخلفية العسكرية. هي مُقدمة للتفلت من أي تحالف قد يفرضه عون في الإنتخابات النيابية في كسروان، وخاصة مع القوات اللبنانية أو أي من ممثلي العائلات التقليدية.
كان من المفترض أن تكون الانتخابات البلدية المختبر الذي سيستغله العميد المتقاعد لامتحان نفسه. إلا أنه آثر اللعب من الخلف محاولاً أن يظهر محايداً، سوى في جونية “لأنها المدينة وهي التي تختصر الجو السياسي للقضاء”، كما ينقل مقربون عنه. هناك سببان لعدم “المواجهة” بلدياً. الأول، الانقسامات في أغلب القرى بين قيادة الوطني الحر التي كانت لها خيارات تتعارض مع جزء من القاعدة العونية، وعدم رغبة العميد في اللعب على هذه التناقضات، رغم أنه لا يجهد لإخفاء التباينات بينه وبين توجهات رئيس الحزب الوزير جبران باسيل. أما السبب الثاني، فهو أن روكز لم يُعلن بعد خطابَه السياسي. لا يزال يتوجه إلى الرأي العام بأمور عامة عن “الديمقراطية” وتحدي “المال والابتزاز والسلطة”. منذ اللحظة التي سيُعلن فيها رؤيته للوضع السياسي وبرنامج عمله وتحالفاته، الأكيد أن العديد من “المترددين” و”المسحورين” بشخصيته العسكرية سيحسمون خيارهم، وعندها يظهر حجمه الشعبي الحقيقي.
في كسروان رأي آخر، تتبناه شخصيات سياسية وبلدية، تتعامل مع “ظاهرة” روكز بحياد. هو “يعيد أخطاء المارونية السياسية نفسها لناحية عدم الحسم، والتردد، والاعتقاد بأن لا أحد يجرؤ على مواجهته، ونسج صداقات مع شخصيات في المناطق لا وزن لها. كما أن التكرار بأنه لا ينتمي إلى التيار يجعل العونيين يتوجسون منه”. يُقيّم هؤلاء تجربته البلدية بأنها “كانت فرصة للتعرف إلى السياسة ودهاليزها. يأتي من مكان (الجيش) صادق، ولكنّ أمله خاب بعد التعامل مع بعض السياسيين الكسروانيين الذين تبين له أنهم ليسوا أصدقاء كما ادعوا. لم تكن التجربة سلبية ولكنها في الوقت نفسه لم يكن لها المردود الذي يريده”. على العكس مما أشيع، “روكز لم يكن عنصر حسم في بلدية جونية، كان هناك أسباب أخرى للربح: العماد عون، جوان حبيش، والمال الذي استخدمه المتنافسون…”. مجيئه إلى جونية عشية الانتخابات وتقديمه الدعم للمرشح، في حينه، جوان حبيش “لم يتجاوز الصورة الجميلة، فعملياً مساندته اقتصرت على الوقوف إلى جانب اللائحة لا أكثر”. تُحاول المصادر تخطي الهوية العسكرية لروكز “التي لا تصنع مساراً سياسيا”، وتسأل “ما هو خطابه؟ ما القيمة الإضافية التي سيُقدمها لكسروان؟”. تمكّن عون من فرض نفسه كـ”غريب” في القضاء، “لكونه زعيما. إذا بقي روكز مصراً على أنه لا ينتمي إلى التيار وأنه لن يقبل التحالف مع أي كان، فما الذي سيدفعني كابن كسروان أن أقبل انتخاب ابن شاتين (البترون)؟”.
التبرير “الروكزيّ” جاهز: “باسيل وروكز ينتميان إلى القضاء (البترون) عينه وهما عديلان. حتى لو كان من الجائر اختزال العميد بكونه صهر عون، ولكن من غير اللائق أن يترشح إلى جانب باسيل في الدائرة نفسها”، تقول مصادر مُقربة من روكز. الخيار هو كسروان “نظراً لعلاقته بهذه المنطقة، منذ أيام الحرب. وشعبياً وضعه جيد هناك، وخاصة أنه تمكن من استقطاب عدد من قدامى الوطنيين الأحرار الذين لا يدورون في فلك عون وهو يستقبل يوميا العديد من الكسروانيين”.
الإنتخابات البلدية مثّلت نقطة الإنطلاق. التنسيق كان يجري بين روكز وعون حصراً، باستثناء في جونية، حيث كان يتعاون مع منسق القضاء جيلبير سلامة. يؤكد روكز أنه رغب في عدم تدخّل الاحزاب في الانتخابات البلدية، “لاعتقاده بأنها ليست معياراً للتغيير السياسي”. أما في جونية، فقد “حاول أيضاً تجنب المعركة، لكن الجهة التي كانت تدعم لائحة افرام أقنعت الأخير بعدم التوافق. هذا الفريق حاول تظهير حبيش وحيداً وأن التيار تنصل منه. أمام هذه الحرب اللاأخلاقية، اضطر روكز إلى أن يزور جونية ويُقدم دعمه لحبيش”. التفاهم بين القوات اللبنانية والتيار “أساسي من أجل طيّ صفحة الماضي، ولكن هناك مصالح سياسية لا نفهمها. مثلاً معراب هي التي استفادت من هذا التفاهم بلدياً لا العكس. ولو أنها دعمت حبيش في جونية، لكان خسر المعركة على الأكيد. في كسروان أين تكون القوات يُصوّت الناس ضدها”، يقول روكز، بحسب من يلتقونه.
أراد روكز الانتخابات البلدية مناسبة “لاكتساب الخبرة ومعرفة توجه الناس الذين تعرفوا إلى شخص بامكانهم التواصل معه بسهولة”. إلا أنها لم تفرز بعد الحلفاء المستقبليين. المصادر تستغرب “الربط بين العميد والوزير السابق زياد بارود لمجرد أنهما ترافقا إلى مسرح “بلاتيا” لتقديم التهاني للائحة الفائزة ببلدية جونيه”. في ما خصّ رئيس المؤسسة المارونية للانتشار نعمة افرام “هناك قسم من عائلته قريب من جوّنا. العميد يثق بهذا الجو، ولكن لا شيء محسوما ولا سيما أنّ افرام لا يريد الترشح إلى النيابة وهو اعترف بأنه كان مُضللاً في البلدية”، كما تنقل المصادر عن روكز.
“توسيع قاعدة التكتل هي أحد أهداف روكز. هناك العديد من الطاقات المستقلة في كسروان التي يجب ألّا نخسرها”. وشعبياً هناك “فئة كبيرة معترضة على بعض خيارات التيار، العمل يتركز على استيعابها وعدم تشتيتها”. تؤكد المصادر أن روكز لا يُنسق في ذلك “مع أيّ من العونيين الناشطين خارج إطار التيار، وهو طبعاً لا يسعى إلى تشكيل حالة تنظيمية”.