في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة الكويتية عن تنفيذ مشاريع بكلفة 16 مليار دولار في عام واحد، تجد نفسها أمام مأزق يتعلق بآلية هذا التمويل الضخم، الذي ربما لا يستطيع أن يستوعبه السوق في الوقت الراهن، في ظل توسع بنك الكويت المركزي في إصدار أدوات ديون لتمويل عجز الموازنة.
وتسعى الحكومة إلى تمويل عجز الموازنة المتنامي عبر إصدار سندات محلية ودولية، بالإضافة إلى السحب من الاحتياطي النقدي، حيث تتوقع تحقيق عجز بموازنة 2016-2017، التي بدأ العمل بها مطلع أبريل/نيسان الماضي، بنحو 40 مليار دولار، على أساس 25 دولاراً لبرميل النفط، واستقطاع 10% من الإيرادات لصالح صندوق احتياطي الأجيال القادمة.
ومع تعاظم المبالغ التي تعول الحكومة على القطاع المصرفي في توفيرها، يقول مراقبون إنها مطالبة بضرورة توفير بدائل جديدة للتمويل، بحيث لا تستنزف المصارف المحلية في وقت تحتاجها الحكومة لتمويل مشروعات مهمة، وحتى لا تصطدم بالواقع وتضطر إلى تأجيل ما طرحته من مشروعات ضمن خطتها السنوية المقبلة.
وكانت وزيرة التخطيط والتنمية، هند الصبيح، قد أكدت في وقت سابق، أن عدد المشاريع التي تم تأجيلها من الخطط السابقة بلغ نحو 121 مشروعا بكلفة 13 مليار دولار، أما المشروعات الجديدة فيصل عددها إلى نحو 44 مشروعا بتكلفة 3 مليارات دولار.
ويقول الخبير المصرفي عبد الحميد توفيقي: “من غير المعقول تنفيذ مشروعات تنموية ضخمة في ظل الاعتماد على قناة تمويل واحدة تضغط عليها، المصارف معرّضة لأزمة مهما كانت السيولة المتوفرة لديها”.
وأضاف توفيقي لـ “العربي الجديد” أن المصارف الكويتية على استعداد لتمويل عجز الموازنة الحكومية بحدود تتراوح بين 3 و5 مليارات دينار (10 إلى 16.56 مليار دولار) خلال السنوات الثلاث المقبلة، على فترات وليس دفعة واحدة، مشيرا إلى أن استمرار الحكومة في الاعتماد على المصارف في تمويل العجز، يستدعي الحذر.
وطرح بنك الكويت المركزي، خلال العام المالي الماضي، 26 إصداراً من سندات الخزانة بقيمة 1.3 مليار دينار (4.33 مليارات دولار)، ليستقر إجمالي الرصيد القائم لأدوات الدين العام (أذون وسندات الخزانة) عند 1.5 مليار دينار (4.99 مليارات دولار).
واقتنت البنوك المحلية نحو 99.9% من هذه الأدوات، في حين تقاسمت جهات أخرى النسبة المتبقية، وفق تقرير للمركزي الكويتي حصل “العربي الجديد” على نسخة منه في وقت سابق من يونيو/حزيران الجاري.
ويرى توفيقي، أنه على الرغم من أن البنوك المحلية تتمتع بمستويات سيوله عالية وجودة كبيرة في الأصول، إلا أنه على الدولة إيجاد بدائل سريعة وعدم الضغط المستمر على البنوك حتى لا تضر بهذا مكتسبات، خاصة في ظل توقعات بطول أمد أزمة النفط.
ويشير الخبير المصرفي محمد الحبيب، إلى ضرورة أن تأخذ الحكومة زمام المبادرة مجدداً في ملف تمويل مشروعات خطة التنمية، لضمان جذب مستثمرين أجانب جدد إلى السوق الكويتي، والأهم من ذلك، في نظره، ضمان نجاحها في تنفيذ المشاريع وتحقيق عائد معقول يلبي طموح المستثمرين في القطاعين العام والخاص.
ويرى الحبيب في حديثة لـ “العربي الجديد”، أنه لا يمكن استثناء المصارف أو إقصاؤها عن القيام بدورها التمويلي، لكن أيضاً لا غنى عن البدائل الحكومية لتوفير دعم وتغطية حكومية لتمويل المشاريع التنموية سواء من خلال تأسيس صناديق جديدة أو الاقتراض الخارجي.
وحسب الحبيب، فإن الاقتراض الخارجي لن يسبب أي أزمة للدولة، “فهو أمر ليس بجديد في المنطقة حيث تم اعتماده في الكثير من الخطط الانمائية سواء في آسيا أو أوروبا أو منطقة الخليج”، معتبرا أن الأفضل أن يكون التمويل مختلطاً تشارك فيه الحكومة من خلال صناديقها بنسبة 50%، مقابل 50% تشارك بها المصارف، لتصبح المشاركة بالمناصفة بين الجانبين ولا ترهق أياً منهما.
وعانت البنوك الكويتية من صعوبات عديدة خلال العام الماضي نظراً للأوضاع الاقتصادية، التي تمر بها المنطقة والسوق المحلي على وجه الخصوص، حيث ارتفعت مخصصات البنوك بنهاية العام الماضي بنسبة 230% لتصل إلى 6.6 مليارات دولار، بالمقارنة مع عام 2014 والتي بلغت فيها 2 مليار دولار، علما أن البنوك استمرت في زيادة مخصصاتها خلال السنوات العشر السابقة لتصل إلى مستويات قياسية منذ عام 2007.
على الجانب الآخر، تشير وزارة المالية الكويتية، إلى أن تأجيل تنفيذ عدد كبير من المشروعات، يرجع إلى تراخي جهات معنية في الحكومة عن تنفيذ مهامها، مؤكدة أن تأخير صرف دفعات المقاولين المنفذين للمشاريع التنموية الحكومية سببه جهات رقابية في الدولة، وليس عجز الميزانية.
وذكرت الوزارة، الأسبوع الماضي، أن الخدمات المقدمة للمواطن الكويتي بعيدة عن خفض ميزانيات الجهات الحكومية في الدولة.