Site icon IMLebanon

قرصنة الرملة البيضاء: بيع الملك العام لزيادة ثروة الحريري

كتبت رلى إبراهيم في صحيفة “الأخبار”:

تتقدم سريعاً التطورات في صفقة العقارات الأربعة (المصيطبة 4285، 2233، 4011، 2231) التي تشكل الجزء الجنوبي من الشاطئ العام في منطقة الرملة البيضاء. وعلمت “الأخبار” أن رجل الأعمال محمد سميح غدار، أنهى نهار أمس اتفاقاً مع أحد المصارف يقترض بموجبه نحو 50 مليون دولار مقابل تقديمه ضمانات عقارية لتمويل صفقة شراء عقارات هي في الأصل ملك عام مثبت قانوناً. وستصبّ تلك الملايين في جيب ورثة رفيق الحريري، وخاصة ولديه فهد وهند.

ويبدو أن غدار لا يكترث للجدل الحاصل بشأن الرملة البيضاء ولا لتحركات المجتمع المدني ولا لكل المراسيم التي تؤكد طبيعة الأرض وحدودها. بل جاهر في مقابلة مع محطة “أو تي في” بشرائه الشركة المالكة لهذه العقارات، ووصلت فيه الجرأة إلى حدّ تقديم عرض إلى الدولة لشراء العقارات مثار الجدل! وهو ما يطرح تساؤلاً عن السبب الحقيقي لشرائها إذا ما كان مستعداً لبيعها مجدداً، وعما إذا كان الأمر يشبه تلطي ورثة الحريري خلف رجل الأعمال وسام عاشور لمحاولة بيع عقارات المسبح الشعبي لبلدية بيروت.

في المبدأ، سُجّل البحر وشاطئه جنوبي الرملة البيضاء باسم رجل أعمال آخر في حوزته مشروع تجاري لإغراق المياه الزرقاء بالباطون وابتداع “زيتونة باي” ثانية تسلب المواطنين والبيروتيين والفقراء حقهم بمتنفس مجاني. وفيما كان يُعوّل على تحريك رئيس مجلس النواب نبيه بري النيابة العامة المالية ووزارة الشغال العامة والنقل كما حصل سابقاً بخصوص عقارات المسبح الشعبي الثلاثة، جاء المؤتمر الصحافي للوزير غازي زعيتر ليضيّع “الشنكاش”. تهرّب الأخير من مسؤوليته، وتغاضى عن سرقة الشاطئ، شأنه شأن جميع وزراء الأشغال الذين توالوا على المنصب. ورغم تنازل المالك في أواخر الخمسينيات عن جزء من هذه العقارات وغيرها لمصلحة الدولة، تقاعست الدولة عن استرجاع أملاكها، فلم تحوّل ملكيتها إلى ملك عام، وهو ما سهّل انتقال الأملاك البحرية العمومية من مالك إلى آخر من دون أن يوقفهم أحد. كل ذلك لا يلغي طبيعة هذه العقارات العامة، فالحق العام لا يسقط بمرور الزمن.

وعلى افتراض أن صفقة الحريري ــ غدار التجارية تمت بشكل نهائي، يُفترض ألّا يكون في مقدور الأخير الاستفادة من مساحة العقارات كاملة. ففي النسخ المصدقة للخرائط الرسمية، تظهر هذه العقارات “مضروبة” بطريق عام، مسجّل تحت الرقم dp66، جرى استملاكه استناداً إلى مرسوم صادر عام 1957. وهذا الطريق يقسم العقارات إلى قسمين: شرق الطريق، وتبلغ مساحته 15640 متراً مربعاً؛ وغرب الطريق، أي بينها وبين البحر، وتبلغ مساحته أكثر من 19 ألف متر مربع. والجزء الأخير هو بغالبيته شاطئ رملي متصل بمياه البحر، أي إنه يدخل ضمن الأملاك العمومية البحرية، ويُمنع إقامة أي بناء عليه. وفضلاً عن الملكية العامة لهذا الجزء من العقارات، يواجه غدار معضلة ثانية. فما يملكه قانوناً لا يتصل بالشاطئ. ومساحته تبلغ 15640 متراً مربعاً فقط. وبالتالي، فإنه يفقد الشرط الذي يخوله حق طلب استثمار أملاك عمومية بحرية (الشرط هو ملكية عقار تبلغ مساحته 20 ألف متر مربع على الأقل، متصل بالأملاك العمومية). هذا في القانون. أما في بلاد تحكمها المافيات، فمن غير المستبعد أن يجري التعامل مع القضية بصفتها صفقة تجارية بين شخصين، لم يعتد أحد منهما على أملاك اللبنانيين العامة. وما جرى في بلدية بيروت يشير إلى أن كلمة المافيات ستكون هي العليا. فببساطة، شُطِبَت من خرائط البلدية الجديدة أي إشارة إلى الطريق العامة dp66، في إطار “تنظيف” العقارات، لكي يتمكّن ورثة الحريري من زيادة ثروتهم.