كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
بات الوزير سجعان قزي مسألة ثانوية، قليلة الأهمية في حزب الكتائب. لا أحد يتحدث عنه بعد قرار فصل بالإجماع. ليس الأول كي يُصوّر أول أزمة في حزب مضت على انتخاب رئيسه سنة واحدة. الأهم هو التحضير للمواجهة مع حكومة الرئيس تمام سلام.
عندما يقال لرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل إنه يفعل ما لم يقدم عليه مرة حزبه، في ظلّ جدّه المؤسس الشيخ بيار الجميل، أكثر من عقدين ونصف عقد من الزمن، وهو الخروج من حكومة يشارك فيها أو وزراؤه بسبب رفضه ما يجري فيها، أو إحتجاجه على ممارسة كي يواجه من الخارج، يجيب: “صحيح، لكنه لم يجد نفسه مرة في حكومة محوطاً بطبقة سياسية فاسدة كالتي كنا فيها.
طبعاً لم يسمع قبلاً على أيامه رئيساً لحكومة يشارك فيها يقول إنها أسوأ حكومة والأفشل والاكثر فساداً. لم يكن ليبقى لو أبصر حكومة كهذه”.
يوماً بعد آخر يتيقن الجميل من صحة خياره الخروج من حكومة الرئيس تمام سلام. تمثّل حزبه بثلاثة وزراء، في حين أن لكل من الرئيس نبيه بري وحزب الله والتيار الوطني الحر، بما يمثّل كل منهم، وزيرين. حصته كحصة رئيسها وكحصة تيار المستقبل والرئيس ميشال سليمان.
الكلام عن فصل الوزير سجعان قزي غير ذي أهمية. صار الرجل من الماضي. على أن رئيس الحزب يقول: “لم نترك الحكومة قبل ستة أشهر أو سنة أو سنتين حتى، بل أمس عندما وجدنا أنها ورئيسها لا يريداننا. عندما غادرنا آخر جلسة لمجلس الوزراء إعتراضاً، لم يشأ رئيس الحكومة أن يكلف نفسه الإتصال بنا والسؤال عن موقفنا. لم يقف مرة الى جانبنا في أي ملف. لم يعد يُصغى إلينا ولا يؤخذ برأينا، ويفرط الآخرون في تبادل مغانم الفساد. ظللنا حتى البارحة نقوم بدورنا كاملاً في الإعتراض والرفض وتعطيل كل ما نعتقد أنه لا يتطابق مع القانون إلى أن أصبحنا عاجزين عن الإستمرار بهذا الدور. قررنا الإستقالة عندما تخطى مجلس الوزراء موقفنا كي نصبح شهود زور على ما يجري داخلها. لم نستقل حينما كنا قادرين على منع المخالفة والإعتراض، شأن منعنا التجديد لسوكلين نهاية 2015. ما أن فقدنا تأثيرنا تحمّلنا مسؤولية الخروج من الحكومة كي لا نتحمّل مسؤولية قرارات الفساد والصفقات. عندما يصير وجودنا داخلها كوجودنا خارجها، نفضّل الخيار الثاني كي نتحمّل مسؤولية المواجهة من الخارج وفي الشارع. عندما أكون داخل الحكومة تقضي مسؤوليتي كحزب مشارك فيها الدفاع عن قراراتها. فما بالك عندما يحصل فيها ما حصل في الجلسات الثلاث السابقة لاستقالتنا؟”.
يعي الجميّل أنها ليست الحكومة الفاسدة الوحيدة، مقدار ما يعي أن سلام هو أول رئيس حكومة ما بعد 2005، وما قبل حتى، يقرّ بواقع ما هي عليه فشلاً وفساداً. بيد أنه يلاحظ أن حزبه لم يشارك حتى حكومة سلام سوى في ثلاث من أربع حكومات منذ 2005 بحقائب ثانوية، أمضى فيها ثلاث سنوات فقط: شقيقه بيار سنة واحدة أو أكثر بقليل ما بين 2005 و2006 حتى استشهاده، إيلي ماروني بالكاد سنة واحدة ما بين 2008 و2009، سليم الصايغ أقل من سنة ونصف سنة ما بين 2009 و2011: “لم نستطع فعل شيء حينذاك. وزير واحد مغلوب على أمره. مع حكومة الرئيس سلام فعلنا الكثير إلى أن أظهروا لنا أنهم لا يريدوننا. نحن أيضاً لم نعد نريد هذه الحكومة”.
يضيف: “عندما كان إعتراض المكوّن الرئيسي الواحد شرطاً لعدم صدور قرار، كنا قادرين على التأثير. عدّلوا اللعبة وقالوا إن القرار لا يصدر باعتراض مكوّنين رئيسيين، فلم نعد نجد إلا بشق النفس مكوّناً ثانياً يقف الى جانبنا، الى ان اختفى نهائياً المكوّن الثاني، فتعذّر علينا التعطيل، ولم يعد في إمكاننا أن نكمل بلا تأثير أو قدرة على الإعتراض والتعطيل. ماذا نفعل بعد ذلك؟”.
يقول إنه اختار “استعادة ثقة الناس والمواجهة من الخارج من خلال الشارع وكل مَن يقول بما نقول به. ما بدأنا به في الداخل سنثابر عليه من الخارج كما لو أننا لا نزال في المكان نفسه، لكن كمعارضة حقيقية”.
لكن ماذا عن مأزق الحزب الذي لم يعد يسعه ــــ بعدما إستقال ــــ محاسبة الحكومة من الداخل وقد تخلى عن موطىء قدم فيها. يرفض المشاركة في جلسة عامة لمجلس النواب قبل انتخاب رئيس الجمهورية، ما يجعل محاسبة الحكومة ــــ وهو نائب ورئيس كتلة نيابية ــــ تبعاً للأصول الدستورية متعذرة: “لم أترك الحكومة إلا حينما عجزت عن أداء دوري، وكانت قد إنقضت سنتان ونصف سنة على تأليفها. لذلك أطالب الآن بتحوّلها إلى حكومة تصريف أعمال كي لا تتخذ القرارات المضرة بهذا البلد وتقر الصفقات والسمسرات. في غياب رئيس للجمهورية لا يستطيع مجلس النواب التشريع، بل مهمته الرئيسية إنتخابه أولاً. لذلك لن نذهب إلى هناك للتشريع، والجلوس شهود زور أيضاً على إنتهاك الدستور حيال ما لا يستطيع المجلس القيام به، قبل إنتخاب الرئيس”.
إلا أن الجميّل الإبن لن يقاطع طاولة الحوار في عين التينة: “ليس فيها ثمة ما يلزمني. ليست أكثر من مكان نتكلم فيه ونستمع ونفكر بصوت عال، ونطرح المشكلات وحججنا. مشكلتي مع الطبقة السياسية ــــ وإن هي نفسها في الحكومة والى طاولة الحوار ــــ ليس في أنني لا أريد الجلوس معها الى طاولة واحدة، بل لا أريد مشاركتها في الصفقات والسمسرات في مجلس الوزراء ما يجعلني أتحمّل مسؤولية قراراته. إما أكون مسؤولاً وأبقى، أو لا أكون مسؤولاً وأخرج. ليست الحال نفسها في طاولة الحوار التي لا تلزمني بشيء”.