كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
أرخت الصورة “المهتزّة” لأوروبا في أعقاب “الزلزال” البريطاني، بثقلها على الواقع اللبناني الذي يُخشى ان يكون دخل مع ملامح الارتداد في القارة العجوز الى النزعة القومية والانعزالية مرحلةً بالغة الدقة في ظلّ انتقال الاهتمام الدولي في المدى المنظور الى رصْد الارتدادات السياسية والاقتصادية والمالية لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي، وهو التطور الذي اعتُبر مؤشراً الى امكان ان تكون له “تكملة مدوّية” في المقلب الاميركي بحال فوز دونالد ترامب بالرئاسة في تشرين الثاني المقبل.
وبين المجهول الذي “قفزت” اليه اوروبا، ودخول الإدارة الأميركية مرحلة “البطة العرجاء”، مروراً باستمرار المنطقة “في فوهة” حروبٍ – ولا سيما في سورية – تشي بتغيير الخرائط، ترى أوساط واسعة الاطلاع في بيروت انه يصبح من غير الواقعي ترقُّب مسارٍ انفراجي قريب للأزمة اللبنانية التي يختزلها الفراغ في رئاسة الجمهورية الذي أكمل امس، شهره الـ 25.
وتشير الأوساط في هذه السياق عبر “الراي” الى ان انقلاب “سلّم الاولويات” غربياً في ضوء “صدمة” الاستفتاء البريطاني والتي بدت في جانبٍ منها وكأنّها من مفاعيل ترْك الحرب السورية تُفرِز ظواهر مقلقة ومرعبة مثل أزمة المهاجرين والنازحين و”داعش”، ستحتاج الى وقت قبل ان يستوعبها المجتمع الدولي ويفكّ “شيفرة” مغازيها ليحزم في ضوء ذلك أمره نحو إخماد “البركان” السوري خصوصاً قبل ان تطول “حممه” أعرق الديموقراطيات في العالم و”تُعوْلِم” حال الاضطراب المتفشي في المنطقة.
وفي انتظار انقشاغ غبار “العاصفة البريطانية”، ترى الأوساط نفسها ان إشارات “فرْملة” الحلول في لبنان ما زالت تتوالى، ولعل أبرزها ما كشفته تقارير صحافية امس، عن محادثات وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في باريس قبل ايام لجهة ثبات الأخير على رمي كرة استمرار الفراغ الرئاسي في لبنان عند الآخرين ولا سيما المسيحيين بقوله أمام الرئيس فرانسوا هولاند، ان طهران لن تعارض انتخاب رئيس في لبنان “ولكن ينبغي على المسيحيين أن يتحدوا لاختيار الرئيس”، محمّلاً التدخلات الخارجية مسؤولية إفشال الاتفاق على النائب سليمان فرنجية والدفع نحو “تحالف غير مألوف” بين رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع وزعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون.
واذا كان عدم خروج الموقف الايراني من دائرة “تجميد” رئاسية لبنان يجعل زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت لبيروت في 11 و 12 تموز المقبل أبعد ما تكون عن إمكان إحداث اي اختراق في جدار المأزق الرئاسي، فإن الأوساط المطلعة تلاحظ على المستوى الداخلي اندفاعة من فريق “8 آذار” على المستوى سياسي من خلال تحديد رئيس البرلمان نبيه بري، ومن خلفه بطبيعة الحال “حزب الله”، ممراً للحلّ “الملبْنن” عنوانه “السلّة الكاملة” مع ما تحمله من رغبة في تحصيل مكاسب على صعيد التركيبة اللبنانية وتوازناتها من “خلف ظهر” اتفاق الطائف.
وفيما برزت تقارير في وسائل إعلام قريبة من “8 آذار” أوحت بأن الخيار الرئاسي بات محصوراً عملياً بين إما فرنجية “الرئيس مع وقف التنفيذ” في ضوء المسار الدولي – الاقليمي الذي واكب طرح اسمه قبل أشهر، وإما رئيس توافقي مع القفز فوق العماد عون، فإن مساراً آخر أعطى إشارات الى ان “خيار عون” لم يسقط وان “حزب الله” الذي جعل “السلّة الكاملة” – التي تمنحه قدرة على التحكم بمسار المرحلة المقبلة في لبنان ومواصلة “قضم” مرتكزات الطائف – مدخلاً لأي حلّ، قد لا يمانع وصول زعيم “التيار الحر” ضمن هذه الصيغة اذا ارتأى ان من الأفضل لمحوره ملء الفراغ الرئاسي بمرشح “مضمون له” قبل انتخاب رئيس اميركي جديد وتبدُّل الإدارة الاميركية وامكان حصول تحولات ميدانية في سوريا.
الا ان الأوساط عيْنها ترى ان دون هذا المسار موقف موحّد لقوى “14 آذار” التي ترفض اي انجرار جديد الى “دوحة ثانية” على غرار ما حصل في 2008 وأفضى الى انتخاب الرئيس ميشال سليمان، وإن كانت تتخوّف من انه اذا اعتبر “حزب الله” ملء الفراغ الرئاسي بتوقيته “أمراً استراتيجياً” حصول شيء ما يفرض الحلّ “قيصرياً” على ما كانت لوّحت به بعض صحف “8 آذار” بالحديث عن دوحة لبنانية “على البارد او على الحامي”.
وكان لافتاً بالنسبة الى الأوساط المطلعة عدم تطرق الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله في كلمته الجمعة الى الوضع الداخلي الا من زاوية تجديد “ربْط النزاع” مع القطاع المصرفي حيال قانون العقوبات الاميركي على الحزب، وصولاً الى وصْف بعض ممارسات المصارف التي ذهبت أبعد مما يريده الاميركيون بأنها “عدوان” متفادياً أي إدانة لتفجير “بنك لبنان والمهجر” في فردان، ومعلناً صراحة و”على المكشوف وعلى رأس السطح ان موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الاسلامية في ايران”.
كما برز في خطاب نصر الله رفع منسوب الهجوم على السعودية والتهديد للبحرين على خلفية سحب الجنسية من الشيخ عيسى قاسم وصولاً الى التلويح بان “الشباب البحريني لا ينقصه شيء لينفذ عمليات استشهادية”، الى جانب كشفه ان خسائر الحزب في حلب بلغت 26 مقاتلاً منذ 1 يونيو وأسيراً واحداً ومفقوداً واحداً، متعهداً الاستمرار في معركة حلب.
وفي موازاة كلام نصر الله، أطلق الرئيس سعد الحريري من طرابلس مواقف بارزة برسم خصومه كما وزير العدل المستقيل اللواء اشرف ريفي الذي فازت اللائحة التي دعمها في طرابلس بلدياً على تلك التي أيّدها الحريري من ضمن “تحالف سباعي” ضم خصوصاً الرئيس نجيب ميقاتي.
وقال الحريري في الإفطار الحاشد الذي أقامه في معرض رشيد كرامي الدولي “لست آتياً لكي اعاتبكم، بل لأحترم صوتكم وارادتكم… وصلني صوتكم ووصلتني رسالتكم وانا مسؤول عنها”، مضيفاً في غمز من قناة ريفي: “في هذه الايام هناك موضة كل الناس تشرح لنا ما هي الحريرية الوطنية ووصلت المواصيل الى حد دعوة بيت رفيق الحريري الى العودة الى الحريرية (…) ويا أخي أنت حر برأيك، ولكن أرجوك، حل عن رفيق الحريري وعن المزايدات والعنتريات على بيت الحريري باسم رفيق الحريري”. وأعلن انه لا يزال على لسان حال رفيق الحريري بان لبنان “طائرة مخطوفة وواجباتي ومسؤولياتي ان أعمل بروح رفيق الحريري على انقاذ الركاب”.
في غضون ذلك، قال وزير الاعلام اللبناني رمزي جريج امس، إن النزوح السوري يشكل عبئاً على لبنان وعلى النازحين السوريين العودة الى بلادهم.