ردّ مجلس شورى الدولة المراجعة المقدمة من المساهم في شركة «سوليدير» فادي خوري، بهدف الطعن في المرسوم رقم 15909 الذي صدر بتاريخ 29 كانون الأول 2005 والذي عدّل مجلس الوزراء بموجبه مدة «سوليدير» من 25 سنة إلى 35 سنة، معتبراً أن التمديد لا ينطوي على أي عيوب. وقد حمل ردّه مخالفات عدّة أظهرت أنّ مجلس الشورى مستمر باتخاذ قرارات تصبّ دائماً في مصلحة السلطة بدلاً من المصلحة العامة
إيفا الشوفي
كان من المفترض أن تنتهي مدة شركة «سوليدير» في منتصف عام 2019، وفق أحكام المادة الرابعة من نظامها الأساسي التي حددت عمر الشركة بـ25 عاماً، يجري في غضونها إنهاء الأعمال كافة التي أُنشئت من أجلها، بدءاً من تاريخ تأسيسها النهائي عام 1994.
لكن في 9 كانون الأول 2005 أصدر مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، المرسوم رقم 15909 الذي عدّل بموجبه عمر الشركة من 25 سنة إلى 35 سنة، أي مدّد مدتها 10 سنوات أخرى، ما يعني أن «سوليدير» باقية حتى عام 2029. انطوى مرسوم التمديد على مخالفات عدة كافية لإبطاله، فتقدّم المساهم في الشركة فادي خوري، عبر وكيله المحامي جان غاوي، بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة لإبطال قرار مجلس الوزراء. كعادته، ردّ مجلس الشورى المراجعة، إلّا أنّ ردّه بذاته حمل مخالفات جوهرية صبّت في غاية واحدة: «تغطية جميع مخالفات مجلس الوزراء»، أو بمعنى آخر: حماية مصالح «سوليدير».
استندت المراجعة التي قدّمها خوري، والتي ردّها مجلس شورى الدولة، إلى أنّ المرسوم المطعون فيه يستوجب الإبطال لأنه مشوب بعيب تجاوز حدّ السلطة لعدّة أسباب:
أولاً، يخالف المرسوم قاعدة موازاة المعاملات الإدارية، إذ إنه بالعودة إلى المراسيم التي حددت الإطار الواقعي لشركة سوليدير يتبين أنّه كان يقتضي أن يمر مرسوم التعديل على عدد من المراجع مثل مجلس الإنماء والإعمار، المجلس الأعلى للتنظيم المدني، وزير المالية… بحيث يسلك المعاملات نفسها التي اعتمدت في مراسيم سابقة.
ثانياً، يخالف المرسوم القوانين والأنظمة في ناحيتين. فتعديل المادة الرابعة من النظام الأساسي يتطلب دعوة المساهمين في الشركة إلى جمعية عمومية غير عادية لاتخاذ القرار، ليصار لاحقاً إلى التصديق عليها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. إلّا أنّ المرسوم المطعون فيه صدر من دون الالتفات إلى أي قرار صادر عن الجمعية العمومية غير العادية أو أي طلب من شركة سوليدير بالترخيص لها بإجراء التعديل. يشرح غاوي أنّ «في نظام سوليدير هناك نص يقضي بأن أي تعديل يجب أن يحصل بموجب جمعية عمومية غير عادية قبل تصديقه من مجلس الوزراء. وقد عدّلت سوليدير نظامها عدّة مرات، ولا سيّما ثلاثة تعديلات أساسية واردة بالمراجعة، جميعها تستند إلى قرار الجمعية العمومية غير العادية وكتاب مجلس الإنماء والإعمار». كذلك يفتقر مرسوم زيادة عمر سوليدير إلى أي سبب أو تعليل جدي يبرر صدوره.
ثالثاً، اتخذ مجلس الوزراء المرسوم لغير الغاية التي من أجلها خوّل القانون السلطة المختصة حق اتخاذه، إذ إن الهدف من التعديل هو أداء خدمة خاصة لشركة سوليدير.
عبر المراسلات والردود بين الدولة وسوليدير والمدّعي، أعلنت سوليدير أنّ «تعديل نظام الشركة تم بموجب جمعية عمومية غير عادية للمساهمين انعقدت في 29 حزيران 1998»، أي قبل أكثر من 7 سنوات على صدور المرسوم! وأضافت أن «لا حاجة لذكر الإشارة إلى الجمعية العمومية التي أقرت تمديد مدة الشركة في بناءات المرسوم». صدر القرار آنذاك عن الجمعية العمومية بتمديد مدة «سوليدير» من 25 عاماً إلى 75 عاماً، وهنا نصل إلى مخالفة أخرى: أقرّ مجلس الوزراء مرسوماً يجعل مدة «سوليدير» 35 عاماً. إذاً، فقد عدّل مجلس الوزراء من تلقاء نفسه مدة التمديد، علماً أن صلاحيته تنحصر «بإصدار مراسيم التصديق فقط من دون إدخال عليها أي تعديل وهي، والحال هذه، صلاحية مقيدة وليست استنسابية»، وفق ما يرد في رد المدّعي على جواب مجلس الشورى. هكذا، افترض مجلس الوزراء في المرسوم أن هناك قراراً للجمعية العمومية من دون أن يظهره كجزء من المرسوم. إلا أن اللافت في الاستناد إلى قرار قديم للجمعية العمومية هو وجود نيات كي تعيش سوليدير 75 عاماً، أي إنها ستطلب لاحقاً تمديداً إضافياً بما يتجاوز المدة التي حددت في البداية كمدّة لازمة لإنجاز مهماتها.
لكن بماذا ردّ مجلس شورى الدولة على النقاط الواردة؟
اعتبر المجلس أنّ «عدم ذكر انعقاد الجمعية العمومية غير العادية في متن المرسوم المطعون فيه أو في بناءاته لا يعتبر شرطاً أو إجراءً جوهرياً لصحّته، وفقاً لما استقر عليه الاجتهاد الإداري في هذا الخصوص، طالما أنّ الجمعية العمومية قد التأمت فعلاً». علماً أنّ القانون، كما يقول غاوي، يعتبر أن «القرار الإداري غير المعلّل يعد باطلاً وبالتالي على المرسوم أن يعلّل بإظهار القرار وهذا ما لم يحصل».
كذلك، تجاهل مجلس الشورى عدم وجود تعليل وعدم لزوم إدخال محضر الجمعية العمومية وطلب مجلس الإنماء والإعمار ضمن المرسوم، وذلك خلافاً لكافة المراسيم التي صدرت سابقاً من قبل الجمعية العمومية لسوليدير والتي اقتضت تصديق مجلس الوزراء. فقد أعلن المجلس في رده أنّ لمجلس الوزراء «سلطة استنسابية في تصديق تعديلات أنظمة الشركات اللبنانية المساهمة، وهو ليس ملزماً بأي حال بأن يستند صراحة إلى أسباب مبينة في تقرير مجلس الإدارة». أمّا في ما يتعلق بالصلاحية المقيدة لمجلس الوزراء في التصديق على مقررات الجمعية العمومية، اعتبر المجلس أن مجلس الوزراء بتعديله المادة الرابعة لتصبح 35 سنة هو تصديق على قرار الجمعية بالتعديل وبتمديد مدة عمل الشركة لـ10 سنوات ورفض فترة التمديد الباقية. وأخيراً، رأى المجلس أن مراعاة قاعدة موازاة المعاملات الإدارية لا تستقيم قانوناً بالنظر إلى الطبيعة الخاصة للمرسوم. وقد أغفل المجلس ما قدّمه المدعي من ملاحظات على تقرير المستشار ومطالعة مفوض الحكومة، وما أثاره من نقاط جديدة كان يجب أن يجيب عنها لبتّها، لكنه لم يتطرّق إليها.
هكذا، غطّى مجلس شورى الدولة جميع مخالفات مجلس الوزراء، مرتكباً بذلك – وفق مراجعة المدعي – 5 مخالفات في ردّه. كلّ هذا لتبقى «سوليدير» 10 سنوات إضافية تسيطر على وسط البلد، وبحره.
من جهته، يتجه المساهم في الشركة فادي خوري لتقديم طلب إلى مجلس شورى الدولة لـ«إعادة المحاكمة»، استناداً إلى العيوب الواردة في قرار المجلس.