خضر حسان في “المدن”:
انتقلت حملة سلامة الغذاء التي تقوم بها وزارة الصحة من جهة التأييد المطلق شعبياً، إلى جهة التردّد في تأييدها. والسبب هو غياب الرؤية والمعايير الواضحة في التطبيق. فهل الهدف هو تسطير محاضر ضبط أو إقفال المؤسسات، أم تحسين الشروط وتجنب أي ضرر صحي؟
تحديد الهدف وطريقة التنفيذ يعنيان وضع معايير واضحة، والمعايير في هذه الحالة يضمنها القانون الذي لا يتأثر بحملات إعلانية ولا أهداف سياسية وشعبوية يمكن لها أن تضعف المهمّة. وذلك يستدعي المباشرة بوضع المراسيم التطبيقية لقانون سلامة الغذاء، الذي أقر نهاية العام الماضي. وهذا ما أكده نقيب المحامين في بيروت أنطونيو الهاشم الذي لفت النظر إلى أن تطبيق القانون، بإشراف الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء، يضمن صحة المواطن، ولا يبقيها فلا تبقى “مرهونة بحماسة وزير أو تقاعس آخر، بل تصبح بحماية القانون بشكل دائم”.
ما تقدّم يضع قرار وزير الصحة وائل أبو فاعور، القاضي بالإقفال الفوري “لأي مؤسسة غذائية يسجل فيها خلل من ناحية الشروط الصحيح وغياب الشهادات الصحية المطلوبة للعمال، ولا تلتزم بعوامل النظافة وشروط وزارة الصحة”، في خانة “العمل غير المنظّم”.
وإذا كان أبو فاعور قد برر قراره بوجود “بعض الجيوب التي ترفض الخضوع للقانون والإمتثال لقرارات وزارة الصحة”، إلا أن الوصول إلى تشبيه تنفيذ القانون بإستعمال “العصا الغليظة” يعني وصول حملة سلامة الغذاء إلى القاع. فما تستند إليه حملة أبو فاعور هو بضع قرارات وتصنيفات غامضة تختلف بين منطقة وأخرى، وتتبدّل بحسب مزاج المراقب الذي يستند قرار الإقفال أو الإنذار إلى وجهة نظره. وثانياً، تلك العصا لا تخيف “كبار القوم”. فهل نُفذ أي قانون يوماً، بحق كبار تجار المواد الفاسدة، من البهارات إلى اللحوم، وصولاً إلى الأدوية الطبية والزراعية؟
أبو فاعور يحاسب كثيراً من المؤسسات بسبب فشل مبدأ الإنذارات، كما يقول. لكن هذا الفشل لا تحمله كل المؤسسات، بل تحمله الدولة وبشكل خاص الوزارات المعنية بملف الغذاء. فعدم تنظيم العمل والإتجاه نحو اللامركزية، حيث تستلم البلديات زمام الأمور، هو من أفقد الحملة زخمها، وأفقد الإنذارات قوتها.
فالأجدى، وفق ما تقوله مسؤولة قسم مراقبة وسلامة الغذاء في “جمعية المستهلك” ندى نعمة، في حديث لـ”المدن”، أن نعطي البلديات دورها الطبيعي في هذا الملف، ويبدأ الدور من “إجراء إحصاءات للمؤسسات، وإعطائها شهادات صحية للعمل، وإجراء مراقبة دورية. وهذا ما تفتقر إليه البلديات”. وتشير نعمة إلى أن “البلديات لغاية اليوم تسأل عن دورها، وعن الشروط المطلوب تحقيقها والأمور المطلوب مراقبتها”. ولا تخفي نعمة تأثير مزاج المراقبين الصحيين على عملية إتخاذ قرارات الإقفال، خصوصاً أن بعضهم يقوم بـ”إستفزاز” أصحاب المؤسسات لجهة طلب شروط تعجيزية هي غير مطلوبة في الأصل، أو مطلوبة بدرجة محددة. وهنا، ندخل في عملية إبتزاز المؤسسات. فالوزير لا يراقب شخصياً كل المؤسسات. والإلتزام بمبدأ العمل الصالح أمر غير دقيق في بلد تفوح منه رائحة الفساد السياسي والإداري”. وتخلص نعمة إلى أن إهمال قانون سلامة الغذاء والإحتكام إلى القرارات، أمر لن يفيد الحملة.
وتجدر الإشارة إلى أن قرار أبو فاعور يستثني المطاعم المنتسبة إلى “نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي”، وعددها “نحو 700 مطعم” وفق النقيب طوني الرامي. والإستثناء يعود إلى أن النقابة “تعتمد برنامج جودة موضوع بإتفاق بين النقابة ووزارة الصحة، ويضم نموذج تفتيش تعتمده الوزارة مع المطاعم”.
ويعني هذا الإستثناء أن هناك مؤسسات لن تُقفل فوراً إذا ما إفتقرت إلى تنفيذ شرط صحي، أي أن تلك المؤسسات ستخرق قرار الوزير بموافقة الوزير نفسه. وهذا الخرق يعود إلى تنظيم وضع 700 من قبل جهة نقابية محددة. فماذا عن بقية المؤسسات التي لا تنتسب إلى نقابات؟ الإجابة عن هذا السؤال تعيد الأمور إلى دائرة ضرورة تنظيم المؤسسات وإصدار شهادات صحية ومراقبتها دورياً بطريقة شفّافة. وهذا كله يجب أن يستند إلى قانون، تنفذه البلديات بشكل رئيسي لأنها السلطة المحلية الأقرب إلى المؤسسات من أي وزارة.