كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
قبل أسابيع قليلة، حلّ السفير البابوي غبريال كاتشيا ضيفاً فوق العادة على مأدبة غداء جامعة بضيافة النائب أميل رحمة في بعلبك الهرمل. لم يتردّد كاتشيا لحظة واحدة في تلبية الدعوة، لا بل كان من المشاركين شخصياً في تنسيق تفاصيل برنامج الزيارة. اقترح الأخير إحياء القداس في سيّدة بشوات، لكن رحمة آثر القيام بذلك في المقلب الشرقي في بعلبك «حيث الناس تحتاج إلى هذا النوع من المؤازرة والشعور بأنها ليست وحدها في مواجهة خطر «داعش».
وبعد التنسيق مع المطران الياس رّحال راعي أبرشية بعلبك ـ الهرمل للروم الكاثوليك، تقّررت إقامة القداس في كنيسة مار الياس في رأس بعلبك المتاخمة للقاع، ثم كانت زيارة لسيّدة رأس بعلبك العجائبيّة.
اطمئنان الحدّ الأدنى بأن وضع القرى عند الحدود الشرقية، تحت السيطرة، هو الذي قاد ضيفاً بهذا الثقل الى عدم التفكير مرّتين قبل التوجّه بقاعاً وتوجيه رسالة رمزيّتها الوحيدة بأن المسيحيين صامدون في مواجهة الإرهاب. تواجد كاتشيا هناك فضح بشكل أو بآخر تقصير المرجعيات المسيحية اللبنانية في مواكبة ما يجري على الجبهات المسيحية المفتوحة بوجه التنظيمات المتطرّفة.
لكن على هامش زيارة كاتشيا، حصل ما ليس على جدول منظّميها. تستنفر «القوات» للتشويش على الحدث البعلبكي الى حدّ إعادة نبش ذكرى 28 حزيران 1978 الأليمة. يتنبّه رحمة لهذا التفصيل، فيطلب من طوني فرنجية، نجل النائب سليمان فرنجية، الذي كان على لائحة المدعوين، عدم المجيء الى المنطقة.
لكن بالأمس ومن دون دعوة، حجّت بعض الوجوه المسيحية بما تمثّل، الى منطقة الأطراف المتروكه لقدرها. القاع تحديداً، الواقعة في أقاصي البقاع الشمالي على الحدود المتاخمة لسوريا. واحدة من أكبر البلدات الكاثوليكية بعد زحلة، اختبرت ما شكّل هاجساً لها طوال السنوات الماضية.
باستثناء الحضور الدائم لمروان فارس ورحمة على طول الشريط البعلبكي المسيحي، والزيارات التي قام بها الوزير جبران باسيل الى البقاع الشمالي والهرمل وبلدة القاع في السنوات الثلاث الماضية، لا أحد على طول الجمهورية يولي اهتماماً لرفد القرى الأمامية أقلّه بالمعنويات، بعد أن «اجتهد» أهاليها باكراً وحملوا السلاح بالتنسيق مع الجيش و «حزب الله» لحماية أرضهم مشكّلين ما يشبه «الحشد الشعبي».
في الأسابيع الماضية، التهت القاع «المسلّحة» بهمّها البلدي فتناست لوقت قصير «جهادها»، مع جاراتها من القرى المسيحية، بوجه الانتحاريين والانغماسيين، لكن من دون أن يرفّ الجفن عن محاولات التسلّل والاختراق. «القوات» احتفلت بفوزها النظيف هنا بعد أن حصدت 14 مقعداً في المجلس البلدي من أصل 15 بتحرّر كامل من الاتفاق العوني ـ القواتي، مكمّلة زحفها البلدي الذي بدأته عام 2010 برئاسة المحامي بشير مطر من خلال الفوز بسبعة مقاعد بلدية.
لكن في القاع، كما في رأس بعلبك والجديدة والفاكهة ودير الأحمر، للقوات «هاجس» اسمه اميل رحمة تنتظر بفارغ الصبر قانوناً انتخابياً يخلّصها منه. قبل ايام قليلة، يعيد سمير جعجع تذكير من يعنيه الأمر «بأن هناك مجموعة مسيحية كبيرة في البقاع الشمالي ممثلة بأميل رحمة»، متسائلاً «هل هذا معقول؟».
لا يجد رحمة سبيلاً الا الردّ عليه مباشرة متسائلاً ايضاً «كيف يجوز لحزب بحجم «القوات» الا يستطيع ان يكون لديه ولا حتى نائب واحد في دوائر جبل لبنان الممتدة من جبيل حتى المتن الجنوبي مروراً بكسروان والمتن الشمالي؟ هل هذا معقول؟»، مذكراً إياه أنه نال 70% من أصوات المسيحيين الذين اقترعوا في دائرة البقاع الشمالي، مع اعتراف بأن المقاطعة التي حصلت في دير الأحمر ومنطقتها «أصابتني مقتلاً». يضاف الى ذلك، جهد «القوات» في إلزام مناصريها ومحازبيها بمقاطعة أي نشاط يدعو رحمة اليه.
أمس، تجدّد السجال على جبهة رحمة ـ جعجع. الاول، يعيد التأكيد على ثلاثية الجيش ـ الشعب ـ المقاومة «الذهبية» ويدعو الى تسليح أبناء المنطقة، والثاني، يعيد نسف نظرية أن «حزب الله» يحمي لبنان من «داعش» من أساسها.. أما الوقائع «من تحت»، أي في أرض القاع، فإنها مختلفة عنها «من فوق»، أي من معراب.