كتبت سعدى علوه في صحيفة “السفير”:
خاضت بلدة القاع، أمس، بالنيابة عن البقاع الشمالي ولبنان كله، حرباً ضروساً مع الإرهاب على مدى أربع وعشرين ساعة كاملة، وبلغت حصيلتها شبه النهائية خمسة شهداء وأكثر من 25 جريحاً بعضهم بحال الخطر، فيما سجل رقم قياسي للانتحاريين يذكّر بمشاهد مروعة شهدتها وتشهدها مدن وعواصم عربية تواجه خطر الإرهاب لا سيما بغداد.
وبعد أربعة تفجيرات انتحارية متتالية، فجر الاثنين، وسقوط خمسة شهداء و17 جريحاً، عاد الإرهاب ليضرب القاع مجددا بدءاً من العاشرة والربع من ليل أمس، وهذه المرة من بوابة كنيسة مار الياس في ساحة البلدة حيث كان يتجمع معزون بالشهداء الخمسة، حين فجّر انتحاري نفسه بحزام ناسف وتلاه انتحاري آخر في النقطة ذاتها، قبل أن ينجح الجيش والأهالي في تفجير انتحاريين آخرين، لتبلغ الحصيلة الإجمالية ثمانية انتحاريين من “الدواعش”.
وقبل ان يحتل “داعش” المشهد الميداني على جزء كبير من الحدود اللبنانية ـ السورية شرقاً، بشراكة تنافسية مع “جبهة النصرة”، كان أهل المثلّث الحدودي في محافظة بعلبك ـ الهرمل، وبالذات القاع ورأس بعلبك والفاكهة والهرمل والعين واللبوة وعرسال من الجهة الأخرى، يعيشون قلقاً ممضّاً يفرض عليهم أن يكونوا على سلاحهم لصد الغارات المحتملة لهذه المجموعات التكفيرية المسلحة، ذلك أن أرزاقهم في مزارع القاع ومشاريعها، حيث تتداخل الحدود اللبنانية ـ السورية، في قلب الجبال التي تجلّل هذه المنطقة.
ولقد عاش أهالي هذه “البلاد” سنوات صعبة، خصوصاً أنهم قد رفضوا أن يتركوا بلداتهم وأرزاقهم سواء في السهل أو في الجبال المحيطة، والتي كانت بدورها مصدر دخل بحجرها المتميز في فنون البناء الأنيق.
ولما طال زمن القلق، راح الأهالي يستعدون للأسوأ، وهم “المقاتلون” المعروفون بالرجولة والثبات في الدفاع عن حياتهم وأرزاقهم وهويتهم الوطنية… خصوصاً وقد تولى الجيش تعزيز مواقعه بالسلاح والرجال وبعض الأسلحة الحديثة: طائرات كاشفة ومناظير ليلية ودوريات مستمرة ومواقع محصّنة في “الخاصرة الرخوة” في الجرد، ومراقبة مستمرة لمشاريع القاع.
في هذه الظروف الحرجة، وُجد من ينفخ النفير الطائفي، محاولاً الفصل بين الأهل المتجاورين الذين يعيشون الظروف الصعبة ذاتها، موهماً الناس أن القاع قضية منفصلة عن هموم جيرانها الذين كادوا يكونون أقرباء وأن الإرهاب يميز بين انسان وآخر!
على أن هذه “النغمة” التي تفرز المواطنين المعرّضين للخطر الموحد في مصادره وفي استهدافاته، لم تجد رافعة أهلية لها، برغم محاولة بعض الأحزاب والقوى الطائفية استغلالها للتفريق بين الذين يعيشون معاً في قلب الخطر… والذين لا تفرّق العصابات المسلحة بينهم، وكلهم في نظرها “كفرة” بغض النظر عن طوائفهم ومذاهبهم وأحزابهم…
وكان أن نظم الأهالي عموماً، وأهل القاع على وجه الخصوص، “المواجهة”، فشكّلوا ما يشبه “الحرس الوطني” للتناوب في السهر على أمن هذه المنطقة التي تحولت الجبال المحيطة بها من مصدر للأمان إلى سبب للقلق من احتمال قيام العصابات المسلحة بغارات تستهدف إثارة الفتنة، أو استخدام أهلها كرهائن.
وما الهجوم المسلح الذي شنّه الإرهابيون التكفيريون طوال نهار أمس وليله، الا محاولة “داعشية” لم يكتب لها النجاح لاسترهان القاع بالانتحاريين والقنابل والموت الأسود.
وفي التفاصيل، أن انتحاريين وصلا على متن دراجتين ناريتين قرابة العاشرة والنصف من ليل أمس، الى نقطة قريبة من كنيسة البلدة وقد ترجّل أولهما واطلق قنبلة يدوية باتجاه الأهالي أمام الكنيسة قبل أن يفجّر نفسه. ولم تمض دقائق، حتى قام الانتحاري الثاني بتفجير نفسه بحزام ناسف وكانت الحصيلة وقوع عشرة جرحى على الأقل، بينهم شخصان نقلا إلى بعلبك وهما في حال الخطر الشديد. وبعد ذلك، لاحق الجيش والأهالي انتحاريين اثنين أقدما على تفجير نفسيهما من دون وقوع أية اصابات.
وأوضح بيان لقيادة الجيش أنه عند الساعة العاشرة والنصف من ليل أمس، “أقدم أحد الانتحاريين الذي كان يستقل دراجة نارية على رمي قنبلة يدوية باتجاه تجمع للمواطنين أمام كنيسة بلدة القاع، ثم فجّر نفسه بحزام ناسف، تلاه إقدام شخص ثانٍ يستقل دراجة على تفجير نفسه في المكان المذكور، ثم أقدم شخصان على محاولة تفجير نفسيهما حيث طاردت وحدة من مخابرات الجيش أحدهما ما اضطره الى تفجير نفسه من دون إصابة أحد، فيما حاول الانتحاري الآخر (الرابع) تفجير نفسه في أحد المراكز العسكرية، إلا أنه استُهدف من قبل العناصر ما اضطره أيضاً إلى تفجير نفسه من دون التسبب بإيذاء أحد، وقد استقدم الجيش تعزيزات إضافية الى البلدة، وباشرت وحداته تنفيذ عمليات دهم وتفتيش في البلدة ومحيطها بحثاً عن أشخاص مشبوهين”.