كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”:
غادر السفير الروسي ألكسندر زاسيبكين لبنان صباح أمس الأول متوجّهاً الى روسيا للمشاركة في لقاء يُعقد اليوم لنظرائه في المنطقة لتقويم التطوّرات وقراءة المرحلة المقبلة في مرحلة تُواجه فيها موسكو تحدّيات كبرى نتيجة المواجهات التي تخوضها في أوروبا والشرق الأوسط. فما الذي كشفه وتمنّاه زاسيبكين قبل أن يغادر بيروت في عطلة صيفية طويلة ما لم يطرأ ما يُغيّر برنامجه!؟قبل أن يستقلّ الطائرة صباح الأحد متوجّهاً الى بلاده، جال زاسيبكين على مجموعة من الأصدقاء الرسميين والحزبيين والسياسيين الذين يسمع منهم ويستمعون اليه.
وشارك يوم السبت في لقاء إجتماعي مع مجموعة من الأصدقاء والنخب اللبنانية وأساتذة الجامعات مستعرضاً التطورات على الساحتين اللبنانية والسورية ليجمع أكبر قدر ممكن من الملاحظات عمّا يجري في سوريا ولبنان والمنطقة.
كان زاسيبكين واضحاً وصريحاً، متحدثاً عن أهمية زيارته هذه المرة الى موسكو، فأبلغ مَن التقاهم في الأيام الأخيرة بجدول أعماله المطوَّل الذي يستهلّه بلقاء أفراد عائلته الإثنين (أمس) قبل أن ينتقل اليوم للمشاركة في لقاء يجمع سفراء روسيا في دمشق وبغداد وأنقرة ولبنان والرياض وطهران لتقويم التطورات المتسارعة ومناقشة تفاصيل كثيرة ترسم خريطة الطريق الى المرحلة القريبة المقبلة.
يقول زاسيبكين إنّ اللقاء أو المؤتمر الإستثنائي للسفراء الروس في المنطقة سيعقد على مرحلتين: الأولى في وزارة الخارجية حيث يتمترس فيها منذ عقد ونيف من الزمن سيرغي لافروف.
وفي المرحلة الثانية ينتقل السفراء الى الكرملين للقاء استثنائي مع الرئيس فلاديمير بوتين هو الأول من نوعه منذ تدخّلت بلاده بقوّتها الضاربة الجوية والبحرية والبرية مباشرة في العمليات العسكرية في سوريا منذ الأول من تشرين الأول العام الماضي.
ومن المفترض أن تكون قد سبقتهم الى الكرملين التقارير الديبلوماسية التي تتحدث عن الواقع القائم في سوريا والمنطقة في ضوء التطورات الميدانية المستجدة التي عاينها مباشرة على الأرض وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في زيارته الأخيرة الى سوريا واللقاء الذي عقده مع الرئيس السوري بشار الأسد.
وسيكون اللقاء في الكرملين مناسبة للقراءة الروسية المشتركة بوجهيها العسكري والديبلوماسي لواقع الأزمات وما هو مقترح للمرحلة المقبلة على كل المستويات في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه روسيا جرّاء أزمة الدرع الصاروخية ومستجدات الوضع في أوكرانيا وتداعياتها الأوروبية بعدما جدّدت دولها العقوبات المفروضة عليها امتداداً الى الأزمة السورية وتبعاتها.
يروي زاسيبكين أنّه ونظراءه سيستمعون الى خطاب متمايز وجديد للرئيس بوتين يُحدّد فيه الخيارات المقبلة، المبنيّة على نتائح المشاورات الأخيرة من مؤتمر طهران لوزراء الدفاع الثلاثة الروسي والإيراني والسوري، الى حصيلة الحوار الروسي – الأميركي حول الأزمة السورية ومدى الترابط الذي بات قائماً بينها والوضع في أوكرانيا.
ويضيف: أعتقد صادقاً أنّ الخلاف الأميركي – الروسي في شأن أزمة أوكرانيا ما زال قائماً ووجهات النظر متباعدة. لكنّ الوضع في سوريا ما زال مدار حوار شبه يومي. وعلى رغم الإشارات الإيجابية، فالتفاهم لم يصل بعد الى روزنامة أميركية – روسية واحدة، وهو الموضوع الذي سيشكل المادة الدسمة في اللقاء المتوقع.
فالضغوط التي تتعرَّض لها روسيا في أوكرانيا تُساوي حجم الضغوط عليها في سوريا. وبمقدار ما يضغط الأميركيون والأوروبيون في شأن الإنسحاب من أوكرانيا، يتعرّض الروس لضغوط مماثلة من حلفائهم في دمشق وطهران الساعين إلى مزيد من التدخل المباشر في «معركة حلب» لتكون شبيهة بالمعارك السابقة التي أنقذت الساحل السوري وحرَّرت تدمر.
وهو ما يُلقي على القيادة الروسية مسؤولية كبرى لأنها تتردّد في هذه المعركة وتخشى انعكاساتها على علاقتها مع الممكلة العربية السعودية وتركيا وحلفائهما من دول الحلف.
وعن احتمال أن يكون هناك موقع أو بند للبنان في لقاء السفراء، يتردّد السفير الروسي في الجواب، لكنه يؤكّد أنه يملك صورة واضحة عن الوضع في لبنان. فهو يُدرك حجم الصراع القائم ويعرف الجهة التي تعطل انتخابَ رئيسٍ للجمهورية، إذ إنهم يتباهون بتعطيل النصاب في جلسات انتخاب الرئيس بلا حرج.
لكنّه لا يشاطرهم الرأي ويعتب عليهم وعلى النواب اللبنانيين الذين لا يمارسون دورهم في انتخاب الرئيس منذ فترة طويلة، وقد دخلت الأزمة الرئاسية عامها الثالث.
فالرئيس المنتخب سيكون منتخباً من الشعب اللبناني لا من الروس ولا من الأميركيين ولا من السعوديين ولا من الإيرانيين، معتبراً أنّ المرحلة تقتضي الفصل بين ما تشهده المنطقة والوضع في لبنان، وأنّ استمرار هذا الربط لن يكون في مصلحة اللبنانيين أبداً لا اليوم ولا في المستقبل.
لا يتردَّد زاسيبكين في التعبير عن قلقه من مستقبل الوضع في لبنان، وقد عكس قلقه الدائم أمام إدارته وأمام اللبنانيين من كلّ الأوساط والجهات، ودعاهم مباشرة الى إنجاز الإستحقاق الرئاسي في أسرع وقت ممكن، وألا ينتظروا شيئاً من الخارج.
فالعالم مشغول بأزمات المنطقة وتداعياتها الدولية والإقليمية، وهم – أي الروس – والى جانبهم قوى كبرى يدعمون أيّ تفاهم يمكن أن يتوصّل إليه اللبنانيون فور إنجازه في معزل عما يدور حولهم من مآسٍ.
وينوّه زاسيبكين بكلّ أشكال الحوار الذي يجب ألّا يطول لينتج حلولاً ومخارج تعيد الأمل بقيام المؤسسات الدستورية وإحياء نشاطها على المستويات السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكداً أنّ لبنان لن يعرف أيّ حلٍّ لأيّ مشكلة إلّا من ضمن مؤسسات الدولة، وأنّ انتخاب الرئيس يجب أن يتقدّم كلّ الخيارات الأخرى، وهو مفتاح الحلّ للعديد من المشاكل الناشئة بسبب غيابه.
ويختم زاسيبكين بالقول إنّ للبنان وضعاً خاصاً يحميه موقتاً ممّا يدور حوله، لكنّ لذلك سقوفاً وحدوداً، مشدّداً على أنّ تحصين لبنان وإبعاده عما تشهده المنطقة هو من مهمة اللبنانيين، فلا ينتظروا أيّ تدخّل خارجي.
كان أمراً تقليدياً أن تلعب الأطراف الخارجية دوراً، وهذا الدور يمكن أن يكون إيجابياً أو سلبياً في بعض الاحيان، وعلى اللبنانيين الإفادة ممّا هو إيجابي وإبعاد السلبي عنهم، فلا يقعوا مرّة أخرى فريسة السيناريوهات التي تقارب الإشاعات.