كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
دشنت القاع صباحها فجر الإثنين الماضي مع أربعة انتحاريين يفجرون أنفسهم بين أهلها ونامت على أربعة انتحاريين آخرين حولوا ليل الإثنين ـ الثلاثاء الماضي إلى جحيم بعدما فجر اثنان منهم نفسيهما ببعض ابنائها أمام كنيستها، فيما انفجر الآخران بالقرب من مكان انتحاريَّي الفجر، بين منازلها القريبة من النقاط الأمنية الحدودية.
عند الحادية عشرة من ليل أمس الأول، انقطع التيار الكهربائي عن البلدة بسبب أحد التفجيرات، وسط تعليمات عسكرية للأهالي بعدم التجول والتجمع. قنابل مضيئة فوق بيوتها وبساتينها بحثاً عن انتحاريَّين محتملَين. شوارع خالية إلا من رجال يحملون السلاح حماية لبلدتهم وأسرهم. معهم حضر شباب «حزب الله» عند أطراف الضيعة.
لم ينم أهل القاع. قضوا ليلهم ورصاص سلاحهم في بيت النار، واستقبلوا فجرهم بالتأهب نفسه. الفجر في القاع والليل فيها انسحبا على المحيط. تعاملت بلدات البقاع الشمالي وتحديداً الهرمل وراس بعلبك والفاكهة والجديدة على قاعدة أن القاع تلقت بصدرها ضربات الإرهاب عن جاراتها.
وعلى الطريق من قلب الهرمل إلى ساحة كنيسة مار الياس في قلب القاع ووصولاً إلى راس بعلبك، نادراً ما غفت عين فرد من ابناء هذه القرى تجاوز الخمسة عشر عاماً. من لا يملك بندقية متطورة، حمل «الكلاشينكوف» او مسدساً، فيما نزل إلى الشوارع بعض من لم يحملوا السلاح يوماً أو ينتظموا في حزب أو حتى في اي من المؤسسات العسكرية والأمنية.
تصرف أهالي الهرمل كما جيرانهم في القاع وراس بعلبك والفاكهة. الخطر وراء الباب وعلى مصطبة الدار وفي حديقة المنزل وفي الشارع وفي كل زاوية وناصية. لم يكن خوفاً أو تهرباً من المواجهة، «فنحن وراء الجيش والقوى الأمنية ولن نسمح باستباحة مناطقنا واولادنا وعائلاتنا» على حد تعبير أحد «المتأهبين».
في هذه الأجواء صحت القاع على رعب الليل برغم أن «العناية الإلهية، والعدرا ومار الياس، قد حموا القاعيين من مجزرة أخرى»، كما قال بعض أهلها الذين خرجوا في الصباح الباكر لتفقد بلدتهم وربما انفسهم.
حكت العيون المتورمة من قلة النوم قبل الألسن عن الرعب الذي عاشه أطفال القاع ونساؤها. ترويع أصر رجال البلدة وشبابها وبعض نسائها أن يردوا عليه بحمل السلاح الذي خرج ظاهراً أكثر بكثير من صباح الإثنين عند التفجيرات الأولى. ومعهم جاء الرد من نحو ألف شاب ورجل من أبنائها الذين يقطنون خارجها. ترك هؤلاء اشغالهم وعادوا إلى «الضيعة» كما يسمونها. لم يعودوا للدفاع عنها فقط إن اقتضت الحاجة إلى جانب الدولة، وإنما للتأكيد أن للقاع أهلها المتشبثين بالبقاء فيها وان «نجوم السما اقرب للإرهاب من تهجيرنا».
تحول منزل رئيس البلدية الأسبق عيد مطر إلى مقصد للمطمئنين عن الرجل الذي نجا من انتحاريَّي الفجر والليل. بعدما امسك بالانتحاري الثاني فجراً، هجم احد انتحاريي الليل نحو منزل عيد قبل أن يعالجه الموجودون في المكان برصاصة جعلته يفجر نفسه، فتناثرت اشلاؤه في أرجاء المكان.
وكما القاع، نادرة هي المحال التي فتحت أبوابها في راس بعلبك التي عاشت يوماً حذراً أمس ايضاً فيما انهمك اهلها في تنظيم نوبات الحراسة إلى جانب القوى الأمنية ولجنتها الشعبية.
القاع على موعد اليوم مع تشييع شهدائها، بعدما فرضت المعطيات الأمنية تأجيل التشييع أمس.
وحده الإرهاب جاء بـ «الدولة» إلى هنا. الدولة الآتية ليست انماء وأمنا بل مواكب وتشريفات.