Site icon IMLebanon

اليابان تنفخ الرياح في أشرعة الاكتناز النقدي

هاروهيكو كوردا محافظ بنك اليابان المركزي
هاروهيكو كوردا محافظ بنك اليابان المركزي

ليو لويس وروبن هاردينج

من الناحية النظرية، فإن سياسة أسعار الفائدة السلبية من بنك اليابان “المركزي”، ينبغي أن تحفز الزبائن على الإنفاق، لكن البند الأكثر مبيعا الآن هو الخزانات “الحصالات”، التي يستخدمها المدخرون القلقون لتخزين أموالهم.

توجاوا تغادر منزلها في غرب طوكيو وهي عازمة على شراء خزنة. جاءت إلى متجر لديه مجموعة رائعة، ويتم بسمعة أن أسعاره مناسبة وسمعة بمضاعفة مبيعاته من الخزانات منذ هذا الوقت من العام الماضي.

وتقول إن خلف رحلة المدرسة المتقاعدة البالغة من العمر 60 عاما يوجد أشهر من الرسائل المتباينة، والضجة الإعلامية، وقلق شخصي حول تأثير أسعار الفائدة السلبية على مدخراتها التي جمعتها على مدى عقود. صندوق فولاذي صلب، يوفر شعورا بالاستقرار في أوقات غير عادية للغاية. أو على الأقل، كانت تعتقد أنه كذلك.

جاءت مجهزة بحسابات أموالها الخاصة – وأموال العديد من الأسر اليابانية مثلها. الفائدة على الودائع في المصارف اليابانية كانت أقل من 1 في المائة منذ ربع قرن، لكن منذ إطلاق أسعار الفائدة السلبية في السادس عشر من شباط (فبراير) الماضي، إيداع مبلغ مليون ين (8600 دولار) في البنك يحقق فائدة بمقدار 20 ينا فقط. رسوم استخدام الصراف الآلي تراوح بين 108 و216 ينا والرسوم الأساسية الأخرى عدة أضعاف ذلك. لذلك الخزنة هي بمثابة احتجاج بقدر ما هي وسيلة عملية.

السيدة توجاوا توافق أنها، من عدة جوانب، هي السيدة واتانابي – الأم الحاكمة اليابانية النظرية التي تسيطر على إنفاق أموال الأسر. حتى كبار المصرفيين في البلاد، المبرمجين على كره أي هروب للودائع، يعترفون سرا أنهم يتعاطفون مع أمثال السيدة واتانابي، الذين أسهموا في زيادة مبيعات الخزنات في أكبر سلاسل الأجهزة في اليابان بنسبة 100 في المائة منذ هذا الوقت من العام الماضي.

التصرف بحذر

شراء خزنة قد يوفر بعض الشعور بالأمن، لكن هناك تساؤلات جدية حول ما إذا كان ذلك منطقيا.

في حين أن الفائدة على الودائع في اليابان مثيرة للسخرية، إلا أنها ليست صفرا، لكن الأمر البعيد عن الأنظار هو التأمين على الودائع الذي تتحمله المصارف نفسها. حتى خزنة اقتصادية إلى حد ما بتكلفة 25 ألف ين، مليئة بمبلغ عشرة ملايين ين وتنخفض قيمتها على مدى خمسة أعوام، ربما لن تدفع ثمنها من حيث التكاليف التي تم توفيرها. السيدة واتانابي، التي تعيش في البلد الأكثر عرضة للزلازل في العالم، بحاجة إلى ذلك التأمين.

وفي حين أن اليابان قد تكون ملتزمة بالقانون إلى حد لا بأس به – حيث سجلت 93566 حالة فقط من انتهاك القانون في عام 2014، مقارنة بـ 775 ألف في إنجلترا وويلز – إلا أن المدخر الأكثر راحة هو فقط من سيشتري خزنة ولن يركب جهاز إنذار ضد السرقة. سيكوم، أكبر شركة أمن في اليابان، تستوفي رسوما بقيمة عشرة آلاف ين شهريا لحماية منزل مكون من ثلاث غرف نوم.

مع ذلك، فقد ارتفعت مبيعات الخزنات. هناك تفسيران. الأول هو أن شعبيتها تتعلق أكثر بإدخال أرقام الهوية الوطنية في الخريف الماضي، وهي خطوة دفعت البعض للاستنتاج أن ادخار النقود سوف يحميهم من جامع الضرائب وعيون المتطفلين في الحكومة.

الثاني هو أن المواطن الياباني العادي، مثل السيدة توجاوا، يمكن أن يرى أن سياسة أسعار الفائدة السلبية في بنك اليابان كانت علامة على الانهيار. صحيح أن أسعار الفائدة السلبية أدخلت في وقت مبكر في أوروبا وسويسرا، لكن العواقب كانت أكثر إثارة في اليابان. في غضون أربعة أشهر، يتم تداول نحو 80 في المائة من سندات الحكومة اليابانية بأسعار فائدة سلبية. وتم إغلاق صناديق سوق المال في اليابان، التي كانت محبوبة من قبل المدخرين فيما مضى.

كما يشير مختصو الاقتصاد، فإن شراء صندوق قوي هو أمر عاطفي أكثر من كونه حسابيا: الاستجابة العميقة لبيئة مالية يبدو أنه انقلبت على رأسها بسبب أسعار الفائدة السلبية. النظام المالي في البلاد، الممثل بالمصارف، ترك السيدة واتانابي وعائلتها يشعرون بالخذلان. برنامج الانتعاش الاقتصادي لمدة ثلاثة أعوام المعروف باسم برنامج آبي الاقتصادي، على الرغم من كل وعوده الأولية، لم يتركها تشعر بحال أفضل، ولم يعمل على حماية مدخرات أسرتها الطفيفة، التي جمعتها من خلال الحرص الشديد، من المستقبل.

في مقابلة أجريت أخيرا، قال ياسوهيرو ساتو، رئيس بنك ميزوهو ثاني أكبر بنك في اليابان: “اليابانيون متحفظون جدا لذلك [بعد الإعلان عن سياسة أسعار الفائدة السلبية] تدافع الكثيرون لشراء الخزنات. من الناحية النظرية، أسعار الفائدة السلبية سوف تحفز الاقتصاد… لكن الواقع هو أن الناس يشعرون فقط بعدم اليقين فيما يتعلق بالمستقبل. فهم الفوائد الحقيقية سوف يتطلب بعض الوقت”.

على الرغم من أن تخبئة النقود لا تبدو منطقية من الناحية المالية، إلا أن الثرثرة حول الخزنات – ورد فعل الجمهور على أسعار الفائدة السلبية بشكل عام – له عواقب من حيث السياسة النقدية. أي ضربة لثقة المستهلكين تعوض التحفيز الاقتصادي من انخفاض تكاليف الاقتراض.

منذ اعتماد أسعار الفائدة السلبية، تم استدعاء هاروهيكو كورودا، محافظ بنك اليابان، على أساس أسبوعي أمام اللجان البرلمانية لتفسير ما فعله، وفي الوقت نفسه تحمل مستوى غير مألوف من الغضب من الصحف ومحطات التلفزيون.

يقول كيشي موراشيما، كبير خبراء الاقتصاد في مجموعة سيتي في طوكيو، “أعتقد أن بنك اليابان هو مسؤول جزئيا عن رد الفعل السلبي لأن تواصله مع الأسواق كان ضعيفا”. من المعروف أن كورودا استبعد أسعار الفائدة السلبية قبل أيام فقط من الإعلان عنها.

وسط هذا الاضطراب، تم تقديم الخزنة من البعض باعتبارها الحل بالطريقة نفسها التي تم فيها اعتماد السبائك الذهبية من قبل المدخرين اليابانيين باعتبارها ملاذا ماليا. كاينز هوم، واحدة من أكبر سلاسل أدوات العمل بنفسك في البلاد، تميز عرضها من الخزنات من خلال سؤال المتسوقين ما إذا كان “لديهم استراتيجية أسعار فائدة سلبية”.

إحباط خطة الإنفاق

إذا كانت سياسة أسعار الفائدة السلبية لم تفعل شيئا يذكر لتحفيز الصناعة اليابانية حتى الآن، فقد كانت بمثابة نعمة بالنسبة لصناعة النشر. المكتبات مليئة بعشرات الكتب التي تفسر مخاطر سياسة أسعار الفائدة السلبية وتحاول تقديم إرشادات حول كيفية النجاة من العاصفة.

“أسعار الفائدة السلبية”، الكتاب الأكثر مبيعا من تأليف أسايا شيميزو، هو نموذجي لهذا النوع، حيث يحذر أن “الادخار في المصارف ليس نشاطا خاليا من المخاطر”.

بالنسبة لإدارة رئيس الوزراء شينزو آبي، زيادة مبيعات الخزنات تمثل هزيمة مدوية. الهدف الأساسي من مشروع برنامج آبي الاقتصادي كان إقناع الأسر اليابانية لنقل المزيد من مدخراتهم من الودائع المصرفية إلى البورصة.

لقد بدأت الأسهم بالانخفاض بسبب الين القوي، تم منح السيدة واتانابي كل الحوافز للاستثمار. صندوق استثمار المعاشات الحكومية قاد عملية دوران من سندات الحكومة اليابانية إلى الأسهم المحلية. بين فترة تولي آبي السلطة للمرة الثانية في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2012 وذروتها الصيف الماضي، ارتفع مؤشر توبكس أكثر من 100 في المائة.

عندما أنجزت شركة البريد اليابانية عملية الاكتتاب العام الأولي الخاصة بها بقيمة 12 مليار دولار التي طال انتظارها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تم تسعيرها وتخفيضها لجذب صغار المستثمرين من أجل المشاركة في الأسهم للمرة الأولى. في ضوء ذلك، العوامل الاقتصادية المشكوك فيها لتركيب صندوق فولاذي كبير وملئه بالأوراق تبدو أسوأ بكثير مقارنة بفعل العكس: المخاطرة في مجال الأسهم.

من بين أكبر ثلاث شركات في اليابان، توفر الأسهم في شركة تويوتا عائدا على أرباح الأسهم يبلغ 3.9 في المائة، وميتسوبيشي يو إف جي بنسبة 3.7 في المائة وشركة الهواتف إن تي تي توفر عائدا بنسبة 2.7 في المائة. حيث يتم تداولها بنسبة السعر إلى الأرباح غير مكلفة تترواح بين 7 و12 ضعفا لأرباح العام الماضي. كلما كان العائد على الحساب المصرفي أقل، تبدو الأسهم أكثر جاذبية بالمقارنة.

علاوة على ذلك، إذا نجح بنك اليابان في هدفه باستخدام أسعار الفائدة السلبية لتوليد التضخم، هناك فرصة في أن أرباح الشركات سوف تواكب ارتفاع الأسعار، بينما من المؤكد أن تفقد قيمتها الحقيقية الأوراق النقدية. من المرجح أن يكون أداء النقود أفضل فقط إذا غرقت اليابان أعمق في الانكماش.

هذان الخياران يلخصان التحدي الذي يواجه بنك اليابان. إذا اعتقد المستهلكون أن البنك المركزي سينجح، سيكون لديهم سبب وجيه للاستثمار، الأمر الذي سيساعد في نجاح سياسته. وإذا اعتقدوا أنه سيفشل، من المرجح أكثر أن يقوموا بتخبئة النقود في الخزنة – وبذلك سوف يتسببون بفشل سياسة بنك اليابان.

بنك اليابان يشعر بالسعادة من مدى فعالية أسعار الفائدة السلبية في تخفيض عوائد السندات من المستويات المنخفضة بالفعل، لدرجة أن سندات الحكومة اليابانية لأجل عشرة أعوام تحقق الآن عائدا بمقدار سالب 0.15 في المائة.

بسبب هذا النجاح، يعتقد كبار المسؤولين في بنك اليابان أن المزيد من خفض أسعار الفائدة هو أفضل أداة متاحة أمامهم للتخفيف النقدي، والبنك المركزي قد يخفض أسعار الفائدة في وقت قريب ربما يكون تموز (يوليو) المقبل. يقول ماساكي كانو، كبير مختصي الاقتصاد في بنك جيه بي مورجان في طوكيو، “أعتقد أن بنك اليابان مستعد لتخفيض سعر الفائدة الرسمي إلى سالب 0.2 أو سالب 0.3 في المائة”.

قبل القيام بذلك، يريد استمالة الجمهور وإقناعهم بنسيان كل ما يتعلق بالخزنات. كورودا دافع عن نفسه، حيث يجادل أن الصعوبات الأولية مع أسعار الفائدة السلبية قد تم إصلاحها.

ويأمل بنك اليابان أن رسالته – التي تنص على أنه دائما سيحمي المستهلكين من أسعار الفائدة السلبية – ستصل إلى الجمهور. يقول أحد المسؤولين في بنك اليابان، “نحن نعتقد أن الجمهور الآن يفهم أن أسعار الفائدة على الودائع لن يتم تخفيضها أبدا”.

والبنك المركزي سعيد بتسليط الضوء على الإحصاءات التي تبين عدم جدوى الخزنات، مشيرا إلى أن 100 مليون ين بأوراق نقدية من فئة عشرة آلاف ين تزن عشرة كيلوجرامات وتملأ حجما فعليا يبلغ 12 لتر – أكبر من الخزنات المعروضة للبيع في كثير من المتاجر.

مارتن شولتز، كبير مختصي الاقتصاد في معهد فوجيتسو للأبحاث، يقول إنه في حين أن أسعار الفائدة السلبية كثفت وجهة نظر الجمهور بأنه قد تمت “سرقة” الدخل الذي توقعوا تسلمه على مدخراتهم، إلا أن طفرة شراء الخزنات ستثبت أنها قصيرة المدى عندما يسود المنطق الحسابي.

في الوقت الذي تتسوق فيه السيدة توجاوا مع ابنتها لشراء خزنة في فرع شيماشو هومز، فإن منطق ملكية الخزنة يصبح أقل وضوحا. هي تتفقد خزنتين: واحدة يبدو أنها متينة وبتكلفة تبلغ 28800 ين، لكن الأخرى تروج قدرتها على الصمود أمام حدوث حريق في المنزل، وبتكلفة تبلغ 62800 ين. كل خزنة من هاتين الخزنتين لها قدرة مالية فائقة، وكل واحدة منهما هي أكبر من التصور. وتختم قائلة: “قرأت بضع مجلات وبدأت التفكير في شراء خزنة منذ آذار (مارس) الماضي، لكن في الحقيقة لم تكن لدي أدنى فكرة أنها ستكون بتكلفة كبيرة، حتى إنك لا تستطيع تخبئتها في أي مكان في المنزل. أنا لا أعرف لماذا تحظى بشعبية كبيرة، والحال كذلك”.