كتبت هديل فرفور في صحيفة “الأخبار”:
ألغى “مجلس الإنماء والإعمار” أمس، مناقصة تلزيم مشروع إنشاء المركز المؤقت لطمر النفايات قرب مصبّ نهر الغدير (مطمر الكوستابرافا) التي أجريت الشهر الماضي، وفازت بها شركة “الجهاد للتجارة والمُقاولات” المملوكة من المُقاول جهاد العرب.
وأعلن المجلس في بيان أنه سيُعاد إجراء هذه المُناقصة على أن تُقدّم العروض قبل الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم 15/7/2016.
كذلك أعلن المجلس إسناد التزام تنفيذ مشروع إنشاء المركز المؤقت للطمر الصحي في منطقة برج حمّود – الجديدة – البوشرية – السدّ، إلى شركة “خوري للمقاولات” التي قدّمت السعر الأدنى والبالغ نحو 109 ملايين دولار.
يأتي قرار إلغاء مناقصة مطمر الكوستابرافا، بعدما قدّمت شركة “خوري للمقاولات” في مناقصة مطمر برج حمّود سعراً أدنى من السعر المُقدّم من قبل العرب، لقاء أعمال بحرية مُتشابهة. حينها، فاجأ العرض المالي المُقدّم من خوري المُشاركين في المناقصة، وبلغ الفارق بين السعر الأدنى والسعر الأعلى للعروض المُقدّمة نحو 77 مليون دولار. وعلى الرغم من أن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق كان قد لمّح إلى “شُبهة” في هذه المناقصة نتيجة السعر المُتدّني، وبالتالي عدم التزام الشركة المواصفات الفنية المطلوبة، إلا أن مجلس الإنماء والإعمار وجد أن السعر لا يُعدّ “بخساً”. وبحسب أحد أعضاء إدارة المجلس، رأى الاستشاريون أن هذه الأسعار معقولة “خصوصاً أن الشركة كانت قد أنجزت أعمالاً بحرية مُشابهة بنفس السعر”.
إلغاء مُناقصة الكوستابرافا يعني عملياً المزيد من التأجيل في تنفيذ خطة النفايات، خصوصاً أن نتائج بقية المناقصات لن تُعلن قبل شهر على الأقل. في هذا الوقت سيستمر تكديس النفايات في الموقفين المؤقتين لركن النفايات في الكوستابرافا وبرج حمّود، وهو ما يطرح شكوكاً حول الطاقة الاستيعابية لهذين الموقفين، في ظلّ استمرار تكديس النفايات لأشهر عديدة مُقبلة.
تقول مصادر شركة خوري إنها بانتظار توقيع العقد، ومن المتوقع أن تباشر عملها بعد عيد الفطر. إلا أن عمليات الطمر لن تبدأ قبل أربعة أشهر، فترة إعداد الخلايا المطلوبة للطمر. أما “أعمال المارينا (ويُقصد بها إنشاء “سنسول” لردم البحر) فهي ستسغرق نحو 30 شهراً”.
تصف مصادر مجلس الإنماء والإعمار قرار إلغاء المُناقصة بـ”الجريء”، وهو من شأنه أن “يستعيد كرامة المجلس والعاملين فيه”. برأيها، إن هذا القرار هو لدرء أي شبهة طاولت المجلس ووضعته في خانة الاتهام والتورط بمناقصات “مشبوهة” (اتفاق مُسبق مع جهاد العرب). لماذا لم يتجه المجلس إلى خيار مُفاوضة العرب؟ تُجيب المصادر نفسها بأن المجلس “لا يستطيع إلزام العرب بسعر شركة الخوري” شارحةً بقولها: “الخوري قدمت أسعاراً متدنية، وهي ستتحمّل مسؤوليتها، لكننا لن نُجبر أحداً على أن يعتمد أسعارها”.
في اتصال مع “الأخبار”، يؤكّد العرب أنه عندما بدأ أعماله في الموقع منذ نحو شهر، كان حاصلاً على موافقة خطية من المجلس “فضلاً عن موافقة شفهية ووعد بتحضير العقد النهائي”، مُقدّراً خسارته بنحو 7 ملايين دولار كثمن للبضاعة والتجهيزات في الموقع.
كلام العرب هذا “ينسف” ما حاول المجلس إثارته منذ أيام، إذ لفت إلى أنه اتخذ منذ البداية قرار التريث بالمضي بمناقصة مطمر الكوستابرافا إلى حين إعلان نتائج مناقصة مطمر برج حمّود. هنا، يُرجّح البعض أن يكون السعر المُقدّم من خوري هو السبب في عرقلة المناقصة وخلط الأمور، وبالتالي “إحراج” المجلس ودفعه إلى إعادة النظر في ظل المواكبة الإعلامية للمناقصات.
يقول العرب إن الكثير من الاستشاريين قالوا إن المناقصتين لا تشبه إحداهما الأخرى، وبالتالي لا يمكن مقارنة الأسعار. لماذا اتخذ المجلس هذا الخيار؟ يستذكر العرب هنا قرار مُفوّض الحكومة لدى المجلس وليد صافي “الذي رفض التوقيع، بمباركة النائب وليد جنبلاط”، علماً أن هناك محاضر تُثبت أن نائب رئيس المجلس ياسر بري كان قد طلب التحفظ على قرار إسناد التلزيم إلى حين إعلان نتائج مناقصة برج حمّود، لكن اللافت أن تحفّظ برّي لم يُدون على القرار الذي اتّخذ في 27/5/2016 والذي أُلغي في 23/6/2016.
يستعرض العرب قول أحد أعضاء مجلس الإدارة الذي أشار إلى أنه “إذا وافقنا على المناقصة وربح جهاد العرب، سيتظاهر ضدنا المجتمع المدني”، مُعلّقاً: “المناقصة لم تكن بالتراضي، فلماذا التخوّف من المجتمع المدني؟”.
على الأغلب، لن يُشارك العرب في المناقصة مرّة جديدة، يقول: “بنسبة 70%، لن أشارك”، لافتاً إلى أنه لم يشهد موقفاً كهذا منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
يُذكر أن أعضاء المجلس الذين كانوا من “أنصار” إلغاء المُناقصة اعتبروا أن “مفاوضة المتعهد لم تعد لائقة أمام الإعلام”. كذلك وجدوا أن السبب الرئيسي لعدم إعادة المناقصة هو أن أعمال الطمر ستدفع نفقتها البلديات، إذ ليس مقبولاً أن تدفع بلدية برج حمود سعراً مغايراً للسعر الذي ستدفعه بلدية الشويفات.
وكان أحد أعضاء المجلس قد قال لـ”الأخبار” إن سبب عدم بتّ قرار مناقصة مطمر الكوستابرافا هو شعور المجلس بأنه “تحت المجهر”، وهو “لا يُريد أن يتسرّع في اتّخاذ أي قرار، فالمجلس لا يُريد أن يتحمّل المزيد من الإدانات الظالمة”، فلماذا كانت هذه المناقصة مُربكة للمجلس إلى هذه الدرجة؟