باسكال صوما
تنسحب تداعيات الوضع الأمني المخيف، إضافةً إلى الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ أواخر العام 2010، على الأسواق التجارية التي تعاني ككل القطاعات الاقتصادية الأخرى من ضعف القدرة الشرائية وغياب السياح والمغتربين.
وما كان ينقص هذا البلد الحزين إلا انفجار الأوضاع في بلدة القاع، وما رافق ذلك من بث الخوف في قلوب الناس، لا بل بث المزيد منه، ذلك أنّ الخوف بات فرداً من أفراد كل أسرة لبنانية.
قرب عيد الفطر لم يغيّر المعادلة، وفق تجار التقتهم «السفير»، فالناس خائفون، ولا يشعرون بفرح العيد، ويكتفون بتمضية الأيام في البيوت، وتخفيف المصاريف قدر المستطاع، بانتظار ما سيحدث.
الشوارع مزينة، ومضاءة بمصابيح رمضان، لكن تعيسة ووحيدة، فالمتسوّقون القلائل، يكتفي معظمهم بالفرجة، ويفضّل جزء كبيرٌ منهم، شراء البضائع الخاضعة للحسومات، والاكتفاء بما هو ضروريّ. هذا مع العلم أنّ شهر الصيام يكبّد العائلات مبالغ طائلة لناحية الموائد الرمضانية اليومية والتي تفوق تكلفتها أحياناً المدخول الشهري للعديد من العائلات.
عشرات لا بل مئات المحال ترفع لافتات الحسومات والعروضات، ويقف أصحابها أمام أبوابها، ينظرون إلى المارين، يحاولون سرقة انتباههم الى التنزيلات «والتشكيلة» الجميلة من الملابس والأحذية. لكنّ الأزمات المتراكمة وآخرها سلسلة التفجيرات المدانة، نجحت في إحباط اللبنانيين وإفراغ جيوبهم من المال، ومن الأمل على السواء.
يقول رئيس «جمعية تجار الحمراء» زهير العيتاني لـ «السفير» بصريح العبارة «كنّا بدأنا نرى بعض الحركة في الأسواق، وبدأنا نأمل خيراً، لكنّ ما حدث في بلدة القاع أرعب الناس، وأثّر كثيراً على الأوضاع التجارية، وسقطت الآمال التي كنا نبنيها، فالأسواق شبه فارغة في اليومين الأخيرين، مع العلم أنّ أياماً قليلة تفصلنا عن عيد الفطر».
ويؤكّد العيتاني أنّ «الأسواق التجارية لم تشهد مثل هذا التراجع منذ عشرات السنين، حتى في أيام الحرب الأهلية كانت الأوضاع مرحومة مقارنةً بما يحدث اليوم»، مشيراً إلى أنّ «الحسومات والتنزيلات أصبحت متواصلة على مدار العام في الكثير من المحال، إلاّ أنّها لم تعد تنفع في جذب الناس، مع العلم أنّ في السابق كان يحق للتاجر أن يجري تنزيلات مرتين في السنة فقط». ويشير العيتاني إلى أن «لبنان لا يمكن أن يستمر من دون سياح ومغتربين، ذلك أنّ اقتصادنا يقوم على زيارتهم لبنان والأموال التي يصرفونها فيه»، مؤكداً أن «غياب السياح والمغتربين في السنوات الأخيرة يكبّدنا خسائر كبيرة، فحتى في مواسم الأعياد يفضّل هؤلاء ألاّ يزوروا لبنان، نظراً لما يسمعونه من ويلات، لناحية الوضع الأمني من جهة والوضعين الاقتصادي والسياسي من جهةٍ ثانية».
المأساة ذاتها يحملها رئيس «تجار سوق مار الياس» عدنان الفاكهاني الذي يأسف للأوضاع المزرية التي يعيشها التجار الذين باتوا غارقين في الديون والمصاريف التي تفوق قدرتهم. ويقول لـ «السفير»: نكاد نبيع بضاعتنا «ببلاش»، التجار ينتحرون وليس من يشتري. كل يوم نسمع عن تاجر أصيب بذبحة قلبية بسبب القهر والديون.
ويرى الفاكهاني أنّ «الوضع الأمني لا ينفصل عن الاقتصاد، وبالتالي ما يعيشه القطاع التجاري وغيره من القطاعات مرتبط بالتهديدات الأمنية، إضافةً إلى الأزمات السياسية، وبالتالي لم نعد نرى سياحاً ولا مغتربين في البلد، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية أكثر فأكثر». ويؤكد أنه «منذ العام 2010 وحتى اليوم، كل سنة أسوأ من سابقتها، ولم يعد بمقدورنا الصمود أكثر»، مشيراً إلى أن «الأسواق تزينت قبيل شهر رمضان ورفعت الأضواء الملوّنة، والمحال التجارية تفتح بعد الإفطار يومياً حتى الساعة 12 ليلاً، وبالتالي قام التجار بواجباتهم كاملةً، إلاّ أنّ ذلك لم يحسّن الحركة المتراجعة». ويأمل الفاكهاني «أن تحصل صدمة إيجابية في هذا البلد تنقذنا من المأساة التي نغرق فيها، وهذه الصدمة الإيجابية يجب أن تتمثّل بانتخاب رئيس للجمهورية، لعلّ وعسى تتحسّن أوضاعنا».