IMLebanon

ما هي حكاية الانتحاريين العشرة؟

al-kaa

كتبت سعدى علّوه في صحيفة “السفير”:

من وادي ميرا، بدأت مأساة بلدة القاع التي فجعت باستشهاد خمسة من أبنائها شيّعوا، أمس.

في هذا الوادي الذي يشكل مثلّثاً حدودياً مشتركاً في جرود عرسال (غرباً) ورأس بعلبك (شمال غرب) وسوريا نحو جرود قارة (شمال شرق)، تمّ تدريب الانتحاريين العشرة الذين وصلوا إلى القاع، ففجّر أربعة منهم أنفسهم فجر الإثنين الماضي، فيما انتظر الأربعة الأخرين هبوط الليل ليفجّروا أنفسهم تباعاً خلال ربع ساعة بدءاً من العاشرة والربع من ليل الإثنين نفسه، محوّلين ليل القاع إلى جحيم.

ولكن ماذا عن الانتحاريين الإثنين اللذين كانا برفقة الإرهابيين الثمانية، ولم يعرف ما إذا كانا قد نجحا في مغادرة القاع أم ما زالا مختبئين فيها؟

عشرة انتحاريين هو عدد الانغماسيين الذين حصلت “السفير” على كامل تفاصيل إعدادهم وتدريبهم وعملية “غسل أدمغتهم” وتجهيزهم وصولاً إلى تسللهم إلى القاع سيراً على الأقدام، فما هي حكاية هؤلاء العشرة؟

تؤكد مصادر أمنية لـ”السفير” أن الانتحاريين العشرة ينتمون إلى “كتيبة الانغماسيين” التي كان يتولى تدريب أفرادها أبو بلقيس البغدادي في وادي ميرا في الجرود المشتركة بين لبنان (جرود عرسال ورأس بعلبك) وسوريا (على حدود جرد قارة) في المقلب الغربي لجرود القلمون.

خضع الانتحاريون لدورة تدريب متخصصة لمدة ستة أشهر في وادي ميرا، يشكّل الإعداد النفسي حيزاً كبيراً منها، بالإضافة إلى التدريب العسكري الذي غالباً ما يتركز على التفجير، حيث لا “خلاص” للانغماسي إلا بتفجير نفسه.

بعد إعدادهم مع آخرين، ومع حلول ساعة الصفر، تم اختيار العشرة الأكثر استعداداً لتنفيذ المهمة المطلوبة منهم، وتم رسم خط التسلل الأنجع من الجرود باتجاه القاع.

ترجح المصادر الأمنية تسلل الانتحاريين عبر خط وادي ميرا إلى أحد المواقع التي يحتلونها في جرود القاع (الكاف أو الكسارة او تلة المخيرمة) وهي مواقع محتلة من “داعش” أيضاً ويتمركز عناصر التنظيم فيها.

من هناك، تسلّل الانغماسيون في الوادي الواقع بين تلتي وادي رافق ووادي اللاتون في أعالي القاع ايضاً. وهي منطقة غنية بـ”الخلالي” والوديان التي تساعد في الاختفاء والتلطّي، ومن الصعب مراقبتها وضبطها ليلاً.

ومن الأودية بين “رافق” و”اللاتون” وصل الانتحاريون إلى خراج القاع ومنه إلى قلب البلدة حيث قصدوا أحد المنازل التي كان قد سبق واستأجرها سوريون قبل أن يغادروها (تتحفظ “السفير” عن نشر اسم صاحب المنزل الذي يقع في الحي الخلفي لمنزل آل مقلد).

تقول المصادر الأمنية نفسها أن المعلومات المتوافرة عن انغماسيي كتيبة وادي ميرا تطابقت مع مواصفات الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم في القاع، مشيرة إلى عدم صحة المعلومات التي تحدثت عن وجود امرأة انتحارية بينهم وذلك بناء على ما اثبتته نتائج الطب الشرعي.

ووفق المعلومات، فإن سبعة من الانتحاريين، بينهم انتحاريو الفجر الأربعة تتراوح أعمارهم بين 16 و19 عاماُ فقط، وهم من التابعية السورية على الأرجح، فيما يراوح عمر انتحاري ساحة الكنيسة (وهو رقم خمسة حسب تسلسل تفجيرهم أنفسهم) الذي افتتح تفجيرات الليل، نحو 25 عاماً وهو من جنسية عربية (خليجية).

وقبل أن يعترضهم شادي مقلد، علمت “السفير” أن أحد الأشخاص، من أهالي القاع، قد شاهد أحد الانتحاريين فجراً وهو في طريقه إلى الصيد. كان الانتحاري يحمل حقيبة على ظهره ويسير في الشارع المؤدي نحو الجهة التي يقع فيها منزل آل مقلد، فقام بإبلاغ أحد الأجهزة الأمنية بذلك.

ولكن كيف تسلل انغماسيو وادي ميرا إلى القاع وما هي خريطة المواقع العسكرية التي ينتشر فيها الجيش اللبناني من جهة الأراضي اللبنانية، والجيش السوري و “حزب الله” من الجهة الثانية؟

تبين خريطة المواقع العسكرية في جرود رأس بعلبك والقاع التي حصلت عليها “السفير”، أن الجيش اللبناني يتمركز على مواقع تلة أم خالد وتلة الجرش وتلة وادي رافق (الحد بين جرود رأس بعلبك والقاع) وتلة اللاتون وتل الصليب، وهي مواقع تشرف على وادي الدمينة ومراحاتها ووادي النصراني الساقط بالنيران.

في مقابل مواقع الجيش، يحتل “داعش” مواقع شميسة المخيرمة وتلة المخيرمة والكسارة وتلة الكاف ومغارة الكاف والشجرة والكسارة (موقع ثان اسمه الكسارة غير الموقع الأول). وتبلغ المسافة الفاصلة بين مواقع “داعش”(تتمركز فيها ولا تحتلها) وبين مواقع الجيش اللبناني حوالي كيلومترين ونصف الكيلومتر.

وفي الجهة الثانية، يتمركز “حزب الله” في مواقع تلة السمرمر وبعيون والنصراني والمدبحة على الحدود مع سوريا. وتبلغ المسافة الفاصلة بين مواقع “داعش” وحزب الله” 1500 متر في بعض المواقع (لناحية موقع الشجرة الذي يحتله داعش) و1800 متر في مواقع أخرى (بين مغارة الكاف الذي يحتله “داعش” وبين تلة السمرمر(“حزب الله”).

ويحتل “داعش” نحو 120 كيلومتراً مربعاً من جرود رأس بعلبك وعشرين كيلومتراً مربعاً من جرود القاع، أي بمسافة ستة كيلومترات عن منازل القاع.

وعلمت “السفير” ايضاً ان إعادة تموضع للجيش اللبناني ستتم قريباً على خلفية تعزيز الجبهة الحدودية التي يسهر الجيش على حمايتها، فيما سيولّى ملف وجود نحو 30 الف سوري في منطقة مشاريع القاع الأهمية اللازمة لناحية توثيق ملفاتهم وكامل المعلومات الواجبة عنهم، ومراقبة أي تحركات مشبوهة. أما مسألة انشاء مخيم رسمي محصور أمنياً، فهو قرار بيد السلطة السياسية في لبنان (مجلس الوزراء). وأكدت المصادر أن الجيش اللبناني يقدم التضحيات في المنطقة ويسهر على أمنها ومن خلفه القوى السياسية والحزبية على الأرض بالإضافة إلى أهالي المنطقة.