كتب عمار نعمة في صحيفة “السفير”:
لم تكن يوماً المسافة بين رئيس “حزب الاتحاد” عبد الرحيم مراد و”تيار المستقبل” قصيرة كما هي اليوم. مسار التقارب بين الجانبين ليس وليد الساعة، بل هو نتاج تراكم عمره نيف وسنة. المهمة لم تكن سهلة. البداية كانت من زيارة مراد للرياض، تحت عنوان “إعادة ترتيب البيت السني”. لاحقا شمل الانفتاح السعودي أقطاباً سنة آخرين أبرزهم الرئيس نجيب ميقاتي وأحزابا مثل “الجماعة الإسلامية”، في ما يبدو أنه إشارة سعودية إلى أن “تيار المستقبل” لم يعد يحتكر وحده الشارع السني.
يقول مقربون من مراد إن هذا الانفتاح مع السعودية تم تدشينه في الانتخابات الأخيرة لدار الإفتاء التي جاءت بمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي استحوذ انتخابه على تغطية سعودية ومصرية وحتى سورية، وهو أمر ما كان ليحدث لولا الاحتضان المصري لمراد، خصوصا أن القاهرة ترفع لبنانياً شعار “حماية الدولة الوطنية الجامعة وحفظ العيش المشترك”.
يبدو “ترتيب البيت السني” في لبنان هاماً في استراتيجية الرياض، وهي تدعو إلى اصطفاف سني لبناني على غرار ما فعلته طوائف أخرى (الشيعة والموارنة)، وهو ما يتقاطع مع ضيق الأحوال المالية الحريرية وازدياد الحاجة إلى قوى اعتدال سنية تواجه التطرف التكفيري.
مهدت زيارة الرياض للقاء بين مراد والحريري في نهاية شباط الماضي في “بيت الوسط”، كان عرّابه وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يكنّ وداً لمراد منذ حافظ الأخير على علاقته الطيبة به خلال نفيه عن لبنان في “الزمن السوري”.
ويتخذ المتابعون من مسار انتخابات البلديات الـ23 في البقاع الغربي، نموذجاً للتناغم الحاصل اليوم بين مراد والحريري، مشيرين إلى أن الهدوء الذي شهدته انتخابات ونتائج تلك البلديات كان غائباً عن مناطق كثيرة أخرى..
لا تبدل في الاصطفافات، فـ “المستقبل” يبقى القائد الفعلي لقوى “14 آذار”، بينما يتمسك مراد باصطفافه في “8 آذار”، مطالباً بعدالة تمثيله استناداً الى قانون انتخابي نسبي لا يزال الحريري مترددا في تبنيه حتى الآن، ومؤكداً حفاظه على الثوابت في حلفه مع المقاومة كما بموقفه من الأزمة السورية تحت عناوين وحدة أراضيها وعروبتها، وهو ما يعني عملياً اصطفافاً الى جانب النظام السوري.
في كل ذلك، ثمة قطبة مخفية، كما يقول المتابعون، متعلقة بمسألة “وقف النهضة”، ويستغل فريق سياسي خطأً “إداريا” وقع فيه مراد عبر وضع جزء كبير من أملاكه العقارية تحت رعاية دار الفتوى خلال عهد المفتي السابق محمد رشيد قباني.. ويبدو أن مراد أدرك حساسية وضعه المالي، وبانفتاحه على الرياض، يكون كمن أمسك العصا من النصف بين السعودية وحليفه الإيراني المفترض، متجنباً ضربه عبر خاصرته المالية الرخوة..
على أن ذلك الانفتاح المتبادل لم يمر من دون نقاش جدي داخل “المستقبل” حول الانفتاح على خصم سياسي كمراد لا يزال ولاؤه، حسب وجوه بقاعية داخل التيار الأزرق، ثابتا لـ “حزب الله”، في ظل أسئلة من نوع “ماذا سنحصل من التحالف مع مراد؟”، و “لمَ علينا مكافأته على خصومته لنا” وتشكيك في نية مراد بحواره مع التيار.. لكن الحسم بإيجابية العلاقة جاء من قبل الحريري نفسه الذي أسكت تلك الأصوات، مدعوماً من المشنوق الحريص على “الخبز والملح” مع “أبو حسين”، الذي أقام إفطارا في دارته في تلة الخياط، أمس الأول، على شرف وزير الداخلية.
شكلت هذه المناسبة، التي حضرها أيضاً القنصل المصري العام في لبنان شريف البحراوي وهشام طبارة وسامي الغضبان وعدد من “الأصدقاء المشتركين”، مناسبة للتداول بالوضع الاقليمي، قدم خلاله وزير الداخلية توصيفه لطبيعة الاشتباك السعودي ـ الإيراني، وأشار الى ملامح “تحالف دولي جديد”، شبيه بالذي تشكل بوجه عراق صدام حسين في مرحلة ما بعد غزو الكويت (عاصفة الصحراء) مهمته مواجهة تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، وسأل المشنوق عما اذا كان انتقال ملف مواجهة الإرهاب في المنطقة، من دوائر وزارة الخارجية الى “البنتاغون”، يشكل مقدمة لتغيير معين في أساليب المواجهة وتسريع وتيرتها؟
في الشق الداخلي، كان لافتا للانتباه تمسك وزير الداخلية بمقولته ان العام 2016 لن ينطوي إلا ويكون للبنان رئيس جديد للجمهورية.