كتبت كارولين عاكوم في صحيفة “الشرق الأوسط”:
يحاول كل من “حزب القوات اللبنانية” و”تيار المستقبل” تطويق الاختلاف بينهما على الصعد كافة، ولا سيما في ملف رئاسة الجمهورية في محاولة لفتح كوّة في جدار هذه الأزمة بعد مرور أكثر من سنتين على الفراغ، وفي ظل غياب أي مؤشرات توحي بانفراج قريب.
ورغم قناعة كل من رئيس “المستقبل” رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري ورئيس “القوات” سمير جعجع، ان “حزب الله” ومن خلفه إيران لن “يفرج” عن الرئاسة وسيبقى متمسكًا بالتعطيل بحجة رفض انتخاب أي مرشّح غير النائب ميشال عون قبل إنهاء الأزمة السورية، فإن المرحلة الأولى من المصارحة بين الرجلين على طاولة “السحور”، أول من أمس، أعادت تصويب أسس العلاقة بينهما انطلاقا من التوافق على أنّ الأولوية اليوم هي لرئاسة الجمهورية وليس للانتخابات النيابية، ولكن من دون أن تصل في الوقت الحالي إلى أي “تنازلات” على صعيد الترشيحات الرئاسية، بحسب ما أكد مصدر مطّلع على أجواء اللقاء، لـ”الشرق الأوسط”.
وأكد المصدر في الوقت عينه أن الأجواء كانت أكثر من إيجابية، من دون أن يستبعد أن التواصل الذي سيبقى مستمرا قد ينتج عنه تطورات جديدة وإيجابية في هذا الملف. ومن ثم حدّد المصدر الأسس التي نتجت عن “السحور” بثلاث ركائز، هي: حتمية حماية الجمهورية واتفاق الطائف وعدم الخلاف مهما كان الاختلاف، على أن يستكمل البحث في كل الأمور بعد عيد الفطر المبارك. وأشار إلى أنّ هذه الأسس يتشارك بها رئيس الحزب الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط إلى حد كبير مع جعجع، وقد طرحت بشكل واضح في الاجتماع الذي جمعهما في منزل النائب نعمة طعمة، قبل يومين.
وحسب المصدر، فإن كلاً من جعجع والحريري قدم على طاولة “السحور” وجهة نظره للأمور، لافتا إلى أن طرح جعجع ارتكز في بنوده الأساسية على أنّ وصول رئيس تيار المردة، المرشّح من قبل الحريري، إلى الرئاسة شبه مستحيل في ظل الانقسام حوله بين فريقي 8 و14 آذار، بينما تأييد “المستقبل” لعون، سيوصله إلى الرئاسة أو على الأقل سيضع ما يسمى “حزب الله” أمام الأمر الواقع وسيكشف نياته الحقيقية، التي قال جعجع إنها تفضّل فرنجية للرئاسة عن عون، إضافة إلى أنّه ليس هناك أي قرار لديه الآن بانتخاب رئيس. وأردف المصدر: “واقع الرفض الإيراني واضح بالنسبة إلى جعجع والحريري اللذين تطرقا إلى الاجتماع الأخير بين رئيسي إيران وفرنسا، محمد جواد ظريف وفرنسوا هولاند، الذي أكّد خلاله الإيراني أن الرئاسة اللبنانية لن تمرّ قبل وضوح صورة الرئاسة السورية”. ومن هنا، كان تشديد جعجع، على ضرورة بذل الجهود لإنهاء الفراغ الرئاسي قبل موعد الانتخابات النيابية المفترض في (حزيران) المقبل، بحيث إن إجراءها قبل انتخاب رئيس سيدخل لبنان في الخطر، وسيؤدي عندها إلى إسقاط اتفاق الطائف والدخول في مؤتمر تأسيسي من دون أن ندري.
أولوية رئاسة الجمهورية على أي استحاق آخر وتحديدا الانتخابات النيابية، يؤكدها أيضا “المستقبل” على لسان النائب محمد الحجار، بما يعني اتفاق “الحليفين” على رفض اقتراح رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي ينص على “سلّة متكاملة” تشمل انتخاب رئيس للجمهورية والاتفاق على قانون للانتخاب وتشكيل حكومة. ويصف الحجار في تصريح لـ”الشرق الأوسط” الاجتماع الذي جمع جعجع والحريري بـ”الجيد” وأنه أتى ضمن سياق الاتصالات التي لم تنقطع بين “الحليفين”، مؤكدا العمل “على تنظيم الخلاف الذي لا يزال قائما حتى هذه اللحظة على موضوع الترشيحات في رئاسة الجمهورية، ولا نعلم بعد ذلك ماذا سيحصل”، على حد تعبيره.
في المقابل، يرى الحجار أن المشكلة أكبر من تأييد الحريري لعون في الرئاسة، كما طرح جعجع، موضحا “المشكلة أكبر من ذلك، إذ إنه إضافة إلى أن الحزب وإيران لا يريدان اليوم رئاسة في لبنان، فإن بذهابنا إلى هذا الخيار سنكون خضعنا لسياق فرضه “حزب الله” يؤدي إلى ضرب الدستور واتفاق الطائف على حد سواء، وهذا ما لن نقبل به”. من هنا، يعيد الحجار التأكيد أن “كرة الرئاسة” اليوم لا تزال في ملعب ما يسمى “حزب الله” وليست عند الحريري أو جعجع، مضيفا: “إذا كان يريد رئيسا ويدعم عون لهذا المنصب، كما يقول، فليؤكد هذا الأمر بنزوله إلى مجلس النواب للمشاركة في جلسة الانتخاب”.
وفي حين، من المنتظر أن يكون الملف الرئاسي محورا أساسيا على طاولة اجتماع وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت مع عدد من المسؤولين اللبنانيين الأسبوع المقبل، يرى الحجار أن المعطيات لا تؤشر إلى خرق ما قد يحصل في هذا الملف، موضحا “لا شكّ أن هناك اهتماما دائما من قبل فرنسا بلبنان، لكن حتى الآن لا أرى إمكانية التوصل إلى أي نتيجة إيجابية قريبة، قبل تغيّر القرار الإيراني وهو ما يعرفه الفرنسيون وغيرهم. وكان إيرولت قال بداية الأسبوع، خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير: “سأتوجه إلى لبنان في 11 و12 (تموز) وسأجول على جميع الأحزاب على أمل في أن ألعب دورا مفيدا من أجل أن يتبلور أخيرا حل سياسي، وأن يصبح للبنان رئيس”.