كتب الدكتور جورج شبلي:
يعتبر النفط من الثروات الأستراتيجية التي بأمكانها قلب المعادلات الدولية وتبديل موازين القوى على المستويين الأقتصادي والعسكري. لقد رأى البعض أنَّ من يسيطر على هذه المادة يمكنه ان يمسك بالورقة السياسية الكونية. فبالرغم من انتشار الطاقة الذرية ، بقي النفط محافظا على أهميته الأستراتيجية، وتكفي الأشارة الى ان النقص في النفط يؤدي الى شلَ حركة الحياة على الصعدان كافة: فهل يمكن لبلد، على سبيل المثال، ان يربح حربا ما لم يتوفَر له ما يكفي لجيوشه من مشتقات نفطية؟ وهل تستطيع اية دولة يفرض عليها حصار نفطي أو تواجه تغذية نفطية ضحلة ، الاَ تتأثَر سلبا كل مجالات الحياة فيها؟ من هنا ،يشكَل النفط أحد أهمَ عناصر المواد الخام للأستعمالات المختلفة، ووسيلة للضغط السياسي والإقتصادي، ومصدر ثروة اساسيا لممتلكه.
بعد الأنباء الرائجة عن وجود حيَز نفطي لا يستهان بحجمه في المياه الاقليمية اللبنانية، هل يمكن العمل من أجل وضع لبنان على عتبة الأنطلاق نحو شكل من اشكال النظم الأقتصادية الأكثر تطورا بدلا من هذه الفوضى السائدة؟
اذا انطلقنا من التمييز بين الدول النفطية، نلاحظ انها تنقسم الى دول خازنة أي عائمة فوق طبقة من الذهب الأسود، ودول مستثمرة أي تمتلك التكنولوجيا المتطورة للتنقيب وانتاج النفط تجاريا، في مقابل نسبة من الأرباح محددة عالميا. وعلى هذا الأساس يمكن تصنيف لبنان دولة خازنة، خصوصا مع انعدام امكانية حصوله على التقنيات الحديثة لاستخراج النفط من حيث هو موجود. لذلك لا بدَ من الإستعانة بالشركات المتخصصة في هذا المجال. وبعد ان سادت المساجلات بين الأفرقاء على الساحة السياسية والإختلاف على المفردات لتحديد الأطر الناظمة، وأكثرها ملتبس وزائف، ولأن اللبنانيين يتطلَعون الى عائدات مالية وفيرة من الأنتاج النفطي وهم بحاجة ملحَة اليها، لا بدَ من بعض الأقتراحات التي لا تراعي حيثية النفط السياسي، وتتعاطى بالتالي مع هذا الأمر بعلمية وواقعية .
من الأقتراحات انشاء هيئة يمكن تسميتها سلطة المصادر الطبيعية، وهي سلطة مختصَة تضع برنامجا واضحا وطنيا للتنقيب عن الخزين النفطي في لبنان. وتهدف الى المحافظة على هذه الثروة الطبيعية واستغلالها بشكل يؤمَن أكبر عائد منها ، مع الأخذ بالأعتبار مراعاة الجانب البيئي. ولها الحق في تحديد الشركات التي تقوم بالتنقيب، والأشراف عليها ووضع دراسات علمية للسياسة التسعيرية. ومن الضروري ان تكون شركات التنقيب معروفة عالميا ولها باع طويل في الأستكشافات النفطية، ولديها القدرة المالية لحفر الآبار وانشاء أرصفة ومصفَات بحرية، وتتمتَع بالشفافية الأدائية كي لا تدخل في قضايا جدلية مع الحكومة اللبنانية. وتتألَف هذه السلطة من خبراء و اختصاصيين يمكن تطعيمهم بمن يمثَل الوزارات ذات الصلة .
اما الأقتراح الثاني فيتعاطى مع الريع النفطي الذي يجب أن يلعب دورا اساسيا في تحديد سمات المرحلة المستقبلية ، لأنه يشكَل حقلا خصبا وواعدا بالنسبة للبنانيين عموما. فالنفط يؤمَن عائدات مالية وفيرة للدولة، ينبغي توظيفها لسدَ الدين العام المتراكم، وتنمية حجم الريع النفطي، وتحقيق الرفاهية الأستهلاكية من خلال اعادة توزيع الدخل بين الأفراد، واستثمار الريع في الأستخدامات التنموية المختلفة ولا سيما تمدين الأرياف من خلال العمل على جعلها مجتمعات اساسية وليس من خلال استمرار هجرة سكَانها الى المدن.
ان دولة الرفاه الموعودة، بعيدا عن الخطابات الأعلامية وعن ازدهار سلطة المافيات المستقرة التي تسعى الى نهب الغنائم، بامكانها ان تجري مصالحة بينها وبين المواطن، من خلال تسريع الخطوات لأنجاز قانون وطني لأدارة ملف النفط، والعمل على استحداث سلطة المصادر الطبيعية التي تبادر الى استقطاب عقود استثمارية من شأنها ان تنعش آمال اللبنانيين بغد أفضل .
وبعد، خلِّصوا الشعب اللبناني من الصفقات والسمسرات والتأجيل المُفتَعَل استناداً الى الخلافات حول المصالح الشخصية وجوع الجيوب، كي لا يطلع خِلق هذا الشعب المَقهور بالظّلم والإستغباء، فيعلِّق المسؤولين بالمَقلوب.