Site icon IMLebanon

الراعي من أوهايو: حافظوا على تسجيلاتكم في لبنان لأن ذلك يفيدكم ويفيد وطنكم

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في اطار الزيارة الراعوية الأولى لبطريرك ماروني إلى سينسيناتي- أوهايو في الولايات المتحدة الاميركية، قداسا الهيا في كنيسة مار انطونيوس البادواني المارونية، وعاونه فيه راعي الأبرشية المطران الياس عبدالله زيدان والنائب البطريركي العام المطران بولس الصياح وكاهن الرعية الخوري جورج الحاج مع لفيف من الكهنة، في حضور رئيس أساقفة سينسيناتي المطران دنيس شنور ومعاونه المطران جوزف بينزر، وحشد من أبناء الرعية.

في مستهل القداس، ألقى كاهن الرعية كلمة ترحيب وشكر، عبر خلالها عن فرح رعية سينسيناتي- التي يبلغ عمرها 106 سنوات وهي من أقدم الرعايا في الولايات المتحدة الأميركية- ب”الزيارة التاريخية لغبطته وقد حمل لأبنائها البركة والتشجيع وعطر قداسة لبنان الذي يحملونه في قلوبهم ووجدانهم”.

وختم قائلا للراعي: “نسألكم يا صاحب الغبطة ان تقودونا باستمرار إلى الله، بالكلمة والأسرار لكي يقوينا ويجددنا. فليبارككم الرب ويحفظكم لنا ولتبقوا المنارة التي يضيء المسيح دروبنا من خلالها”.

وألقى البطريرك الماروني عظة بعنوان “اذهب وافعل هكذا” (لوقا 37،10)، قال فيها: “يسعدني ان نلتقي اليوم حول الذبيحة الالهية، وخلال زيارتي الراعوية لابرشية سيدة لبنان. واني أشكر أخي المطران زيدان على دعوته وعلى تنظيمه معكم لهذه الزيارة. واني اقدر حضور رئيس الأساقفة المطران دنيس شنير ونثمن عاليا اهتمامه الكبير بوضع المسيحيين في الشرق الأوسط. كما أشكر السلطات الرسمية الحاضرة بيننا، وأبناء الرعية مع كاهنهم الخوري جورج على تنسيق الزيارة”.

أضاف: “اذهب وافعل هكذا”، هذا كان جواب يسوع في انجيل اليوم على عالم الشريعة الذي سأله عمن يكون الأقرب إلى الرجل الذي اعتدي عليه وكان مرميا على الطريق. وطبعا كان الجواب، هو السامري الصالح الذي تعامل معه بالرحمة وضمد جراحه واعتنى به. وهكذا نحن مدعوون لعيش الرحمة، النابعة من قلب الله، مع بعضنا البعض وخصوصا مع الجياع والعطاش إلى العطف والاحترام وإلى العناية من أي نوع كانت. فلا نخافن ابدا من الخروج من ذواتنا ومن انانياتنا والمبادرة الى تقديم غصن زيتون الى من نعتبرهم غرباء عنا، ويد العون والعطف الى اي انسان مجروح في حاجته”.

وتابع: “الأمر عينه ينطبق على اخوتنا واخواتنا المسيحيين في الشرق الأوسط الذين يعانون حاليا الظلم والقهر بسبب ايمانهم. فهم ضحايا العنف، وضحايا الأزمات بين الشرق والغرب وجنون المنظمات الارهابية. وهم يشعرون أحيانا بأنهم متروكون من قبل اخوتهم واخواتهم الذي قد يتصرفون على مثال هذا الكاهن، في انجيل اليوم، الذي مال عن الضحية وأكمل طريقه. اني احثكم على ان تكونوا لهم ولكل محتاج بمثابة السامري الصالح. فلنكن الأقرب اليهم ولنسأل نفوسنا أيهما الأفضل في حياتنا، ومن نختار ان نكون: السامري الصالح، أم أحد الاثنين اللذين عبرا ولم يفعلا شيئا؟. وكما قيل: “الشيء الوحيد المطلوب لكي ينتصر الشر هو امتناع الناس الصالحين عن القيام بفعل خير”.

وختم: “نحن مدعوون لأن نكون رجالا ونساء صالحين. فلنعش حياتنا بممارسة الرحمة والعطف. ويا رب أرسل إلى شرقنا الأوسط العزيز المضطرب، أناسا صالحين يحولون الشرور فيه إلى خيور ويغيرون وجه الارض. و”لنذهب كلنا ولنفعل هكذا”.

وبعد القداس، أقامت رعية مار انطونيوس في سينسيناتي، بالتعاون مع رعية مار اغناطيوس في دايتون، لقاء عشاء مشتركا على شرف الراعي، افتتح بالوقوف دقيقة صمت اجلالا لارواح شهداء بلدة القاع، الذين رفع البطريرك الماروني الصلاة لراحة نفوسهم. ثم ألقيت كلمات ترحيب باسم الرعيتين، بدأها كاهن رعية دايتون الخوري غي سركيس بكلمة توجه فيها إلى الراعي بالقول: “لقد دعا البابا فرنسيس الرعاة الى الذهاب الى الاطراف، وفي الاخص الأطراف الجغرافية والوجدانية حيث الانسان يعيش الوحدة والغربة والقلق والخوف، ليحملوا اليهم حضور المسيح وكلمة رجاء. هذا هو معنى حضوركم معنا وبيننا اليوم. انتم في احد اطراف الكنيسة، ولانكم في الطرف، انتم في وسطها لأنكم مع وبين أبناء الكنيسة الذين هم ابناؤكم واخوتكم. فالفرق كبير بين المركز والوسط. من يبقى في المركز قد يكون خارج الكنيسة لأنه صعب المنال وبعيد عن الناس. أما من يكون في الوسط فهو من يكون بين الناس أينما وجدوا، ولو في الصحراء. هو يذهب بدون ان يعرف الوجهة، كما قال يسوع لبطرس: “ستبسط يديك وآخر يشد لك حزامك، ويذهب بك الى حيث لا تريد”. وفي كل حال، وكما يقول أحد الفلاسفة: “يللي بيعرف حالو وين رايح ما بيروح بعيد”.

وتحدث باسم رعية سينسيناتي كاهنها الخوري جورج الحاج، مخاطبا الراعي: “صاحب الغبطة، بالنسبة لكثيرين منا كنتم صورة عبر الانترنت، أو صورة مرفوعة في مراكزنا الراعوية، أو اسما في نية الشراكة في القداس، أما اليوم فاننا نراك وجها لوجه ونتلمس حضورك ومحبتك ورعايتك شخصيا. ان زيارتكم الراعوية التاريخية سيعقبها وداع شخصي ووجداني من قبلنا، إذ اننا سنتذكر هذا اليوم الاستثنائي في حياتنا لسنين عديدة، ونأمل الا يطول غيابكم عنا، وسوف نتطلع دائما الى زيارتكم المقبلة”.

ثم كانت كلمة للمطران الياس عبدالله زيدان شكر فيها الراعي على “زيارته الأبوية التي تجسد شعاره شركة ومحبة”، وقال له: “أنتم الرأس والأب والراعي ومن يحمل هذه الصفات والألقاب فلا تفصله مسافة أو تعب أو عائق كي يكون حاضرا بمحبته وعاطفته. وأنتم الأب الذي يفرح لفرح أبنائه ويفخر برؤيتهم يحققون ذواتهم ومستقبلهم. فحضوركم يا صاحب الغبطة هو البشرى السارة لنا، والبشارة التي تعلن لأبناء كنيستنا الرجاء والأمل بغد أفضل وبمستقبل مشرق”.

ورد الراعي بكلمة شكر جاء فيها: “لقد دقت ساعة الشكر والوداع، ولكن لو كان الوداع صعبا، فإننا نغادركم والاعتزاز بكم يملأ قلوبنا، لما حققتموه على الصعيد الكنسي والراعوي والوطني والشخصي في وطنكم الأم وفي الوطن الذي تعيشون فيه. أود توجيه الشكر لكم، أكنتم من أبناء رعية دايتن أم من ابناء رعية سينسيناتي، أم من الرعايا الأخرى. وقد عشنا معكم 48 ساعة غنية جدا بمعرفتكم وبما سمعناه واطلعنا عليه عن أوضاعكم ونشاطاتكم وحياة رعاياكم. أشكركم جميعا من القلب على تضحياتكم في سبيل انجاح هذه الزيارة واتمام هذا اللقاء العائلي”.

أضاف: “نحن نؤكد لكم اننا في الشرق الأوسط، لا نخاف ولا نخشى شيئًا، لا بل زدنا شجاعة وزدنا يقينا ان هذا الشرق الذي تحكمه اليوم لغة الحرب والدمار والعنف هو بحاجة ماسة الى الحضور المسيحي، ونحن مقتنعون أكثر من أي وقت مضى اننا سنبقى في هذا الشرق لأننا مؤتمنون على انجيل يسوع المسيح، وعلى جذور المسيحية العالمية. فنحن بحاجة الى صلاتكم وتضامنكم معنا. ونحن لسنا بخائفين ابدا وهناك سنبقى وسنواصل الرسالة. وتحضرني في هذه الأيام مبادرة البابا القديس يوحنا بولس الثاني، في 8 أيلول 1989، وكنا وسط الحرب. أرسل قداسته رسالة إلى كل مطارنة العالم الكاثوليكي يطلب من كل أسقف في ابرشيته، ان يخصص يوم “صلاة وحقيقة” من اجل لبنان. يوم صلاة على نية السلام في لبنان، ويوم تقال فيه حقيقة لبنان وما يجري فيه. لأن ما يجري في لبنان هو خطر كبير على الجذور المسيحية العالمية. فاذا كان حينها قال هذا الكلام عن لبنان الصغير بما بالحري يقوله اليوم من السماء عن الشرق الاوسط؟ نعم، ان جذور المسيحية العالمية مهددة. ولذلك نحن سوف نبقى هناك وعليكم انتم ان تساعدونا لكي نبقى هناك وليس لكي نأتي نحن اليكم”.

وتابع: “من المهم جدا ان تقوموا باستمرار بزيارة أهلكم وبلداتكم في لبنان، فهذا يقويهم ويشجعهم. ومن الجميل ان تقوموا بمبادرات مع قراكم وعائلاتكم كي يشعروا بأنكم تساندوهم وانكم الى جانبهم”، مردفا “العمل الأهم الذي يمكن ان تقوموا به في هذا الموضوع، هو ان تحافظوا على جنسيتم وتسجلوا وقوعاتكم الشخصية في سجلات النفوس اللبنانية، من أجلكم ومن أجل أولادكم، ولأهميته على مستويات عدة أولها ان تحافظوا على حقوقكم المدنية. فالأرض باقية والأنظمة تتغير. البلدان تتغير والأرض باقية. فلا تقولوا لن يفيدنا الأمر، فقطعة أرض في لبنان هي كنز وربح، لكم ولاولادكم. وثانيها ان النظام السياسي في لبنان يقوم على الديمغرافيا. فلا يجوز ان يهمل اللبنانيون عامة والمسيحيون خاصة تسجيل وقوعاتهم في لبنان. وكم يؤلمني ان يكون المغترب اللبناني حيا يرزق حيث هو في الخارج فيما هو ميت في لبنان. لا يمكننا ان نقبل بذلك، حافظوا على تسجيلاتكم في لبنان لأن ذلك يفيدكم جدا ويفيد النظام اللبناني خاصة سياسيا والا نكون قد قضينا عليه عبر ضرب احد جناحيه، الجناح المسيحي”.

وختم: “أرجوكم ان تتعاونوا مع البعثات الدبلوماسية ومع المؤسسات المعنية ومع الأبرشيات والرعايا، لأنه اذا كنتم فعلا تحبون وطنكم، تحافظون على جنسيتكم، وعلى التوازن المسيحي- الاسلامي فيه كي تستمر رسالة هذا الوطن في الشرق الأوسط، فلا نضحي بهذه الرسالة بسبب الاهمال واللامبالاة”.