كتبت رولا حداد
العنوان في حدّ ذاته عنوان مقيت ومرفوض ومستفزّ الى أقصى الدرجات، لكنه للأسف يشكل اللغة التي يتحدث بها اللبنانيون هذه الأيام. أقول اللبنانيين نعم، وليس المسيحيين حصراً على الإطلاق.
الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله تحدث عن “حماية أهلنا في القاع برموش العين”، وهو توجه بكلامه هذا الى المسيحيين، مسيحيي القاع، بطبيعة الحال، رغم أن أياً من أهل القاع لم يطلب حماية “حزب الله”. وإعلام “حزب الله” الحربي أعلن قتل قيادي في “داعش” انتقاماً لشهداء القاع… في حين ينتظر “شهداء” الحزب من عماد مغنية الى مصطفى بدر الدين وما بينهما من ينتقم لهم! ومرّة جديدة يجب القول إن شهداء القاع وذويهم لم يطلبوا من “حزب الله” أن ينتقم لهم…
من تابع مجريات العمليات الانتحارية التي استهدفت بلدة القاع البقاعية والحدودية مع سوريا، وما رافقها وتلاها، يدرك أن أهل القاع أصرّوا على وجود الدولة اللبنانية والأجهزة الأمنية الرسمية وفي طليعتها الجيش اللبناني دون سواه. ومن تبصّر في كيفية حمل الأهالي للسلاح بانتظار وصول تعزيزات الجيش اللبناني ووحداته الى المنطقة، يتيقّن أن الأهالي إنما يشكلون الدرع الحصين للجيش اللبناني بمبادرات فردية تدلّ على يقظتهم، وعلى رفضهم دخول أي كان الى القاع غير أهل البلدة والجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية. وربما كان هذا السبب تحديداً وراء ما نُقل في الإعلام عن استياء “حزب الله” من حمل المسيحيين السلاح، لأن حملهم السلاح خلف الجيش اللبناني وبإمرته إنما يعني بشكل واضح وعلني رفضهم لوجود “حزب الله” وسلاحه، أو حتى لادعاء هذا الحزب بأنه من يقوم بحمايتهم، ورفضهم للثلاثية الخشبية التي يصرّ عليها “حزب الله”، لأن إيمان أهل القاع كما معظم اللبنانيين هو في أن الدولة وحدها بمؤسساتها وجيشها هي من تحميهم.
وهنا نصل الى لبّ المشكلة، فهذه الدولة لا ترى إلا بعين واحدة. بعد الاعتداءات الإرهابية في القاع صدر البيان عن الاجتماع الأمني الرسمي ليدين ما أسماه أي “محاولة للعودة الى الأمن الذاتي ومظاهر السلاح” التي ظهرت!
هذه الدولة التي سلّمت أمن الضاحية الجنوبية لبيروت الى “حزب الله” بعد العمليات الانتحارية التي استهدفتها، استاءت من دفاع أهل القاع عن أنفسهم في وجه الإرهابيين. هذه الدولة التي لا تجرؤ منذ أعوام طويلة على دخول الضاحية الجنوبية من دون استئذان “حزب الله” تدين استنجاد أهل القاع بالجيش ومساندتهم له وانتظارهم وصول وحداته وتعزيزاته!
بناء على كل ما تقدّم يصبح السؤال عمّن يحمي المسيحيين في لبنان مشروعاً، ليس لأن المسيحيين يبحثون عمّن يحميهم، وهم لم يبحثوا يوماً عمّن يحميهم بل يعتبرون أن الدولة اللبنانية وحدها تحمي جميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين. وإذا تقاعست أجهزة الدولة عن القيام بواجباتها فالمسيحيون عبر تاريخهم تمكنوا من حماية أنفسهم في انتظار عودة الدولة.
السؤال يصبح مشروعاً عمّن يحمي المسيحيين حين تبدو السلطات الرسمية وكأنها تريد أن تسلّم أمن الحدود اللبنانية لـ”حزب الله” عوض أن تتسلّم أمن لبنان كله. السؤال يصبح أكثر من مشروع حين لا نسمع أي بيان رسمي يردّ على تنطّح “حزب الله” وادعائه بأنه ينتقم لشهداء القاع، وأنه يحمي المسيحيين برموش العين!
حين تصبح الدولة قادرة على الرد على بيانات “حزب الله” وادعاءاته وممارساته، فقط عندها يصبح السؤال عمّن يحمي المسيحيين مرفوضاً…