Site icon IMLebanon

محاصرة السنّة في القاع!

 

كتب أحمد عدنان في صحيفة “العرب” اللندنية:

تفجيرات متوالية ضربت قرية القاع اللبنانية بعد أسابيع من استهداف بنك “لبنان والمهجر” في بيروت من قبل ما يسمّى بـ”حزب الله”. وبالنظر إلى ما جرى بعد أحداث القاع، اتضحت الصورة، لم تكن القاع مستهدفة بحد ذاتها، إنّما كان الهدف هو تقريب المزاج الشعبي المسيحي من الحزب الإلهي.

في الحقيقة، فإنّ أغلب المزاج المسيحي، قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبعده، ليس وديًا تجاه “حزب الله” وسلاحه، وحتى انحرافة الزعيم البرتقالي ميشال عون باتجاه الحزب الإلهي، يعرف العونيون و”المقاومون” أنّها حفلة تكاذب مصلحية. “حزب الله” يريد غطاء مسيحيا للسلاح، وعون يريد ترشيحًا رئاسيًا وأموالا نظيفة. وفيما يخص الشارع العوني، فهو متولّه إلى درجة الصوفية بالجيش اللبناني، وبهذا المنطق لا يعقل أن يجتمع في قلب واحد حب الجيش وعشق “حزب الله” مع أنه لا مستحيل عند العونيين.

ونتحدث عن عون تحديدًا لأنّه الحليف المسيحي الوازن للحزب الإلهي، أمّا حليفه الثاني سليمان فرنجية فمحدود الثقل، والموقف السلبي لحزب “القوات اللبنانية” ولحزب “الكتائب” من “حزب الله” معروف ومشهود.

أنظر إلى تفجيرات القاع بالتوازي مع ما يحصل في الجوار، السنة يتعرضون للشيطنة ثم الذبح في العراق وفي سوريا، وهم في حال شبيهة بالحجر الصحي في لبنان، فالسنة اللبنانيون بلا حلفاء أولا، ويصارعون أنفسهم ثانيا، وما زاد وهنهم هو شلل الدولة الكلي.

ما يريده خامنئي وقاسم سليماني، ومن ورائهما بشار الأسد والسيد حسن نصرالله، باختصار، هو نقل المشهد السني في العراق وفي سوريا إلى لبنان، وهذا لن يتمّ من دون تغيير المزاج المسيحي الشعبي.

استهداف القاع أحدث زلزالا في الوجدان المسيحي شئنا أم أبينا، وارتفعت نبرة المتحدثين عن الأمن الذاتي، ومسيحيو 8 آذار وجدوا مساحة واسعة للحديث عن أفضال “حزب الله” المجيدة، ومن ذلك دخوله إلى سوريا لمقاتلة التكفيريين، ولولا الحزب المقدس للاقى مسيحيو لبنان مصير مسيحيي العراق، أي التهجير، أو لأصبحت المسيحيات سبايا والأطفال عبيدا والرجال مقطوعي الرؤوس.

وإذ ننظر للسنة اللبنانيين هذه الأيام نرى العجب، فالعلاقة مع الشريك المسيحي في أسوأ أيامها وأحوالها، والعلاقة مع الشريك الدرزي غير واضحة، لتكون النتيجة العملية أن السنة اللبنانيين لوحدهم، ومن تمّ عزله سهل صيده أو ذبحه كما يقولون.

تحرك محور الممانعة والمقاومة خطوة إضافية بتفجيرات القاع، ولو تزايدت وتيرة الانفجارات هذه ضد المسيحيين، لا سمح الله، ستصبح القيادات المسيحية في حرج بالغ، ومهما تحدثت عن قيمة الدولة وفضائلها ستجد شارعها في مكان آخر.

يريد “حزب الله” إسالة الدم السني في لبنان كما يسفكه في العراق وفي سوريا. ونشاهد ذلك بوضوح في خطابات نصرالله الأخيرة التي تكشف حقده الدفين على قرية عرسال، المركز السني الباقي في الشريط الحدودي بعد تهجير الزبداني والطفيل وحصار مضايا، وخطوته الأولى لتحقيق هدفه هي الشارع المسيحي. يعلم نصرالله أن حلفه مع عون ليس كافيا لإدارة المسيحيين وللإجهاز على سنة لبنان، فأطلق حليفه البرتقالي ليشيطن اللاجئين السوريين والفلسطينيين “السنة”. وقامت المخابرات البعثية بألعابها النارية في القاع، وكل ذلك بغية تحقيق غير هدف، أولها أن شيطنة السني الفلسطيني والسني السوري مقدمة لشيطنة السني اللبناني نفسه، وثانيها أن يحوّل الأحزاب اللبنانية، المسيحية خصوصا، إلى نسخة شبيهة منه. ومن حسن الحظ أن كلمة د. سمير جعجع لأهل القاع وعت لذلك الفخ وتحدثت صراحة عن الجمهورية القوية التي تتحصّن بالمؤسسات الشرعية وبالجيش.

لكن السؤال الكبير الذي يفرض نفسه، هل سيتمكن منطق الدولة لدى الأحزاب المسيحية الوطنية من الصمود في حال تكررت أحداث القاع وتغير المزاج الشعبي؟

ما نريد أن نذكر به مسيحيي 8 آذار، أنّ الحزب الإلهي فشل في كلّ مهامه التي زعمها لنفسه، فالحزب الذي ادّعى أنه يحمي لبنان أصبح يطالب لبنان بحمايته. والحزب الذي يزعم أنه يقاتل التكفيريين في سوريا وينتصر عليهم عاجز عن تحرير أسراه من المعارضة السورية. وحين تمّ اختطاف عناصر عسكرية لبنانية طلب من الحكومة التفاوض ولم يحمل على عاتقه واجب تحريرهم المفترض. والحزب الذي يزعم مقاتلة الإرهاب في سوريا قبل مواجهته في لبنان، التجأ إلى الدولة حين ضربت التفجيرات الضاحية الجنوبية. ومجرد وصول التفجيرات إلى الضاحية وإلى القاع يثبت فشل مهمته التي ادّعاها، خصوصًا وأنّه قبل دخوله السوري لم يعان لبنان من غير التفجيرات والاغتيالات التي ينفذها “حزب الله” نفسه.

السنة في لبنان يواجهون خطرا داهما، لا أدري تحديدا متى سيطلق “حزب الله” نيرانه علينا لكن المؤشرات تكشف عن شهوة دم طازجة. والمطلوب من القيادة السنية مقاربات سياسية شجاعة لتدارك المتغيرات واستباقها، فمن الواجب إعادة هيكلة الطائفة نفسها قبل إعادة هيكلة أحزابها، والمطلوب كذلك إعادة تعريف “خطاب الاعتدال” الذي أصبح يبدو في بعض الأحيان كخطاب أسرى الحرب وفق توصيف الزميل شادي علاء الدين، والأهم من كل ذلك هو إحياء الخطاب الوطني على قاعدة قيم ومبادئ ثورة 14 آذار.

حال السنة المحزنة في لبنان اليوم يتحملها السنة، داخل لبنان وخارجه، قبل أيّ طرف آخر، والموقف اليوم يستدعي تدخلا سريعا وناجعا قبل فوات الأوان وضياع السنة ولبنان معا.