IMLebanon

قلقُ المسيحيين يتفاقم

 

kaa-new

 

 

رأى مرجع سياسي كبير لصحيفة “الجمهورية” انّ “الهجوم الإرهابي على القاع فعلَ فِعله، وأبرزَ الخطرَ الحقيقيّ المحدق بالمسيحيين، بلا استثناء، انطلاقاً مِن تلك النقطة الحدودية، خصوصاً بعدما تكشّفت نيّات المجموعات الإرهابية لاغتيال القاع ومحو هويتها اللبنانية والمسيحية، عبر جعلِها إمارةَ سوداء تَحكمها جاهلية بغيضة، ونقطةَ انطلاقٍ لزرع القتل والفتنة في محيطها وسائر المناطق اللبنانية. وما من شكّ في أنّ هذا الخطر التكفيري الآني، يأتي في رأس هرم المخاطر التي تَتهدّد المسيحيين، ويقتضي تشخيص المرض الذي يعاني منه المسيحيون، الاستنفار الوطني العام، والمسيحي على وجه الخصوص، لبناء جدار الأمان بالشراكة في ما بينهم وفي ما بينهم وبين سائر مكوّنات البلد”.

ويتقاطع كلام هذا المرجع السياسي مع “قراءة مفصّلة للواقع المسيحي، يحدّد فيها مرجع سياسي مسيحي، مكامنَ الخطر الأخرى على المسيحيين، ويوزّع المسؤوليات على بكركي بالدرجة الأولى، كما على سائر المرجعيات المسيحية”.

وقال المرجع المسيحي: “إنّه بالإضافة إلى الدور الاجتماعي الذي تقوم به المؤسسات الكنَسية، فإنّ الثقلَ السياسي الكبير، يقع على البطريركية المارونية في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، وهنا تكمن مسؤوليتها في ملء جزءٍ من الفراغ في المشهد الوطني، وحرصُها على عدم تغييب المكوّن المسيحي ومحو دوره وتقليص موقعه وفعاليته، لأنّ رئاسة الجمهورية هي الموقع الأوّل ليس لمسيحيّي لبنان فقط، بل لمسيحيّي الشرق، لذلك وفي ظلّ الفراغ المستفحل في موقع الرئاسة الأولى، هناك خوف حقيقي، ماروني ومسيحي، من ضعفِ موقع الرئاسة، لا بل مِن فقدانه، وبالتالي تَحوُّل المسيحيين تبعاً لذلك، إلى مجرّد أقلّية بلا فعالية، ولا تملك أن تقرّر أو أن تكون شريكة في قرارِ بلدٍ كان المسيحيون في مقدّمة بُناته”.

أضاف: “لا تقلّ مسؤولية القوى السياسية المسيحية عن مسؤولية بكركي وسائر المرجعيات الروحية المسيحية، فلهذه القوى دورُها الفاعل في نزع أسباب الخوف المسيحي على المصير، ودورُهم الأساس يَكمن في خوض معركة الكيان والاستقلال والمؤسسات وليس معركة السلطة والمحاصَصة. فكلّما خاض المسيحيون معركةً سيادية، شَعروا بانتمائهم إلى الدولة، وكلّما تمّ تحوير المعركة إلى معارك أحجام وسلطة ومغانم، تشتَّت المسيحيون وشَعروا بالخوف والضياع”.

وأمّا العوامل التي فاقَمت المخاوف المسيحية، قال المرجع المسيحي: “فهي متعدّدة، ولعلّ أبرزَها الاعتبار الأمني الذي يضغط عليهم ويشكّل تهديداً لوجودهم، عِلماً أنّهم عانوا خلال الحرب من هجرتين داخلية وخارجية، والهجرة المتجدّدة تلوح في الأفق نتيجة التجارب المريرة للمسيحيين في العراق وسوريا، واحتمال تمدُّد حروب المنطقة إلى لبنان، وتفاقم العمليات الإرهابية خصوصاً بعد تفجيرات القاع”.

ولاحظ المرجع المسيحي، إلى جانب العامل الأمني المباشر، “عاملاً سياسياً مرتبطاً بقوّة الدولة والمؤسسات الشرعية، فكلّما تراجعت قوّة الدولة شعَر المسيحيون بالخوف، لأنّ الكيان اللبناني مرتبط في لاوعيِهم بوجودهم، والعكس. كذلك يلحظ عاملاً اقتصادياً يتمثّل في الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي يعاني منها اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً. ولأنّ المسيحيين مندرجون في معظمهم، في ما كان يعرَف بـ”الطبقة الوسطى”، فهذه الطبقة باتت شِبه معدومة، وبالتالي من الطبيعي أن يَشعر المسيحيون بالخوف على وجودهم، جرّاء غياب المقوّمات الاقتصادية لهذا الوجود”.

وشدّد المرجع المسيحي على “دور بكركي”، لافتاً “الانتباه إلى أنّ البطريركية المارونية، كانت وراء نشأة فكرة الاستقلالية اللبنانية منذ البطريرك الأوّل للموارنة مار يوحنا مارون، واستكملت النضال على مرِّ التاريخ وصَمدت مع شعبِها على رغم شراسة الهجمات والغزوات التي واجَهوها، ولعبَت دوراً بارزاً في تاريخ لبنان الحديث”. وتَمثَّل ذلك في ثلاث مراحل أساسية:

ـ الأولى، لبنان الكبير، أي تأسيس الكيان اللبناني، حيث عملَ البطريرك الياس الحويّك على توسيع حدوده إلى الحدود المتعارف عليها اليوم، دون أن يفكّر بإنشاء بلد قومي للمسيحيّين.

ـ الثانية، مرحلة الاستقلال مع البطريرك عريضة، حيث أصرّت بكركي على استقلال الكيان على رغم العلاقة الوطيدة التي تربط الموارنة بفرنسا والامتيازات التي منحَتهم إياها.

ـ الثالثة، هي الحفاظ على السيادة والحرّية مع البطريرك مار نصرالله بطرس صفير. فكلّما اقترَبت بكركي من هذه المحطات والاعتبارات الثلاثة، كان دورها مساعداً في طمأنةِ المسيحيين، وكلّما ابتعدت أو تقلّصَ دورها زاد خوفُ المسيحيين.

ولا يَعفي المرجع المسيحي، المسلمين من “مسؤولية تبديد الخوف لدى المسيحيين وطمأنتِهم”، مشيراً إلى أنّ “دور المسلمين، في هذا السياق، يَكمن في تطبيق شعار “لبنان أوّلاً”، وفي خوض معركة السيادة والاستقلال والحفاظ على الدستور والمؤسّسات، وعدم ربط لبنان بما يَجري من حوله”.

وأكّد المرجع أنّ “الشراكة المسيحية ـ الإسلامية على مستوى لبنان، هي الكفيلة بضمان الحدّ الأدنى من التوازن، في حين أنّ ربطَ حلول أزمة لبنان بأزمة المنطقة يجعل من لبنان جزءاً من بحر إسلاميّ أوسع، يخشى المسيحيون من أن يغرقوا فيه، ومِن أن يفقدوا الحدّ الأدنى من التوازن الديموغرافي والاقتصادي مع المحيط الإسلامي الواسع”.