كتبت مرلين وهبة في صحيفة “الجمهورية”:
عدما تصدَّرَت اليافطات البلدية الضّخمة مباني جونية وغزير والجوار في مواسم الاستحقاقات، وبعدما غزَت اللوحات التسويقية والإعلانية جدرانَ أزقّتها، يستيقظ اليوم عملاقٌ من نوع آخر ليتصدَّر اثنين من الأبنية الاستراتيجية الواقعة قبالة جسر فؤاد شهاب الرياضي. هذا العملاق يستيقظ يوميّاً منذ قرابة الأسبوع على مرأى من آلاف المواطنين المقيمين بجوار مقام سيّدة حريصا والبلدات المحيطة بمنطقة جونية، حيث يتصبَّح ويتمسّى به الذين يقصدون العاصمة بيروت للعمل ذهاباً وإياباً.رؤية هذا العملاق المقدّس صباحاً ومساءً هي جلّ ما ينشده المواطنون الذين لفتَتهم يافطتان ضخمتان ووجهٌ ملائكيّ مقدّس جديد غريب عنهم، ينظر إلى فوق ويُناجي السماء، إلّا أنّ غالبية اللبنانيين لا يهمُّهم وضعُ الإصبع على الجرح، فالصورة ورمزيتُها تكفيان لينبهروا، ويؤمِنوا «على العمياني»، وباتوا يتبرّكون بها صباح كلّ يوم، إذ يقول أحدهم إنّ «الوجه المقدّس لفيرونيكا جولياني القدّيسة الإيطالية القادمة إلى لبنان للإقامة الدائمة، يُنسيهم تعبَهم ومشقّة الزحمة في طريق العودة»، فيما يَسأل بعضُ من لم يتسنَّ له التعرّف إلى القدّيسة حتى اليوم: «مَن هذا العملاق الذي استيقَظ فجأةً في لبنان؟ ومن هي فيرونيكا جولياني؟».
ولا يفوتُ اللبنانيين إطلاقُ تعليقات طريفة عند كلّ مناسبة، بحيث علّقوا على الحدث على طريقتهم بالقول: «هل فهمَ المسؤولون والسياسيون أخيراً أنّ اللوحات الإعلانية المكلِفة تليق بالقداسة وليس فقط بالسياسة؟
والملفِت في اللوحة الإعلانية ضخامتُها، أمّا الجهة التي تولّت تنفيذَها فهي متبرّعون مؤمِنون من لبنان والخارج، بالتنسيق مع جمعية «أبناء مريم أصدقاء القدّيسة فيرونيكا» (المتن الحنوبي) وهي جمعية حديثة قدِمت من إيطاليا عام 2013.
«جمعية أصدقاء القدّيسة فيرونيكا أبناء مريم»، وُفّقوا في اختيار الموقع الاستراتيجي الرابض مقابل موقعَي حريصا والسفارة البابوية، اللذَين قدّما الدعم المعنوي الكامل إلى القدّيسة الإيطالية وفكرةِ إنشاء كنيستها الأولى، بعد إيطاليا، في لبنان، فكان من الحكمة أن يعلوَ الإعلان عن الحدث، على مشارف سيّدة لبنان، وكأنّ في ذلك دلالةً على أهمّية أن يتبرّك القدّيسون من الأقطار كافّةً، بسيّدة لبنان.
فيرونيكا تنتظر هذا الزمن
وإذا كان الحدث هو القداسة التي استيقظت من لبنان، فإنّ الخبَر هو الإعلان عن تدشين الكنيسة الأولى في العالم للقدّيسة خارج إيطاليا، أمّا نجمة الخبَر فهي القدّيسة فيرونيكا جولياني التي ستبتهج العذراء وسيَغتبط قلبُها عندما تَعلم أنّ وصيتَها تُمّمت مع تدشين كنيسة القدّيسة فيرونيكا في التاسع من تمّوز في منطقة القصَيبة في المتن الجنوبي.
مَن هي ماريا ناكوزي؟
مَن هي ماريا اللبنانية، وماذا كشفَت عن المشروع السماوي للبنان؟
منذ خمس سنوات ظهرَت العذراء على ماريا ابنةِ الـ21 سنةً، المصابة بالسرطان في الأوتار الصوتية، وكانت على شفير الموت، وكان صوتُها رائعاً، وتَشترك في 3 جوقات تراتيل، وبَعد ثلاثين يوماً في المستشفى نادت والديها تقول لهما: الرب يسوع اختارَني لأكون نفساً ضحيّة لتوبة الشبيبة (Ame victime) البعيدِين عن الله.
وسأتعذّب 15 شهراً من الألم، والسَنة المقبلة سأموت نهار الجمعة العظيمة، وكانت وصية العذراء لها قبل مماتِها إقامة كنيسة القدّيسة فيرونيكا على مشارف وادٍ في أعالي المتن الجنوبي للبنان في بلدة القصيبة «إنّني أنتظر، منذ 300 عام، بناءَ كنيسة القدّيسة فيرونيكا جولياني»… إنّها كلمات العذراء مريم للفتاة ماريا ناكوزي التي قدَّمت كلَّ آلامها بفرح من أجل ارتدادِ الخطأة، وخصوصاً الشبيبة، قبل أن تتوفّى يوم الجمعة العظيمة، عام 2010.
تقول ماريا لوالدتها: «أنا والعدرا شايفين أرض بانحدار وادي، بتروحي عند جدّي بيعطيكي الأرض اللي رفضتيها بالسابق وبتعَمّري الكنيسة»، وهكذا حصَل بعد أن قدّمَ جدّ ماريا الأرضَ لابنته السيّدة أندريه ناكوزي التي تنازلت عنها فيما مضى لكي لا تحصل مشاكل داخل العائلة.
عرقلة الشيطان
إحتارَت والدة ماريا، السيّدة أندريه، كيف ستَبني الكنيسة وهي لا تملك المالَ، وزوجُها مريض منذ ثلاثين عاماً، وعمُّها مقعَد، فيما زاد مرضُ ابنتِها من معاناة العائلة، لكنّ العذراء ظهرَت لها في منامها وطمأنَتها بأنّها ستضع يدَها معها في بناء الكنيسة». وقد قدّمت عائلة ناكوزي الأرض في بلدة القصيبة إلى «جمعيّة أصدقاء القدّيسة فيرونيكا جولياني، أبناء مريم»، لبناء الدير والكنيسة.
وتكشفُ السيّدة أندريه لـ«الجمهورية» أنّه وفي الليلة التي قرّرت فيها بدءَ البناء، شبَّ حريقٌ هائل في منزلها وقضى عليه نهائياً ولم يتبقَّ منه سوى صورةٍ للعذراء وصورةٍ أخرى لابنتها ماريا، ففهمَت رسالةَ الشيطان الذي كان يحاول منعَها من تسجيل الأرض وبناءِ كنيسة، وذلك بغية دفعِها لبيعِ الأرض في مقابل بناء مسكن جديد، لكنّها لم تتوقّف، وبقيَت مقيمةً في منزلها القديم المحروق وتابعَت تنفيذ الوصية.
«مشروع سماوي كبير»
تروي السيّدة ناكوزي أنّها استعانت بمصروف ولديها للبدءِ بطباعة كتيّبات عن حياة القدّيسة فيرونيكا، ليتعرّفَ عليها اللبنانيون، وجالت في القرى والكنائس، فقدّمَ لها العجائز غلّة صواني القداديس التي لا تتعدّى بضعةَ الآلاف لتكدّسَها. كما ساعدَها أيضاً الأطفالُ المصابون بمرض السرطان، بمصروفهم وتبرّعاتهم المتواضعة.
تقول السيّدة ناكوزي، «إنّ كلّ مسيحيّ مغترب ومقيم له اليد الفضلى في بناء الكنيسة»، لافتةً إلى أنّه «كلّما تعرقلَت في مكان كان تفرَج في مكان آخر، لدرجةِ أنّ العذراء أرشدَتها في الحلم حتى إلى المهندسين، وألبَستها في منامها ثوباً بنّياً ملأت جيوبَه بالأموال..
تقول الأخت كلارا، الراهبة المسؤولة في رهبنة «خدّام قلب مريم الطاهر»، إنّهن احترنَ منذ ثلاثة سنوات أين يقِمنَ الدير، بعدما أقمنَ في مدينة صور في جديدة مرجعيون، في أبرشية صور المارونية.
فقرّرنَ الصلاةَ وبدءَ تسعاوية للعذراء لإرشادهنّ إلى الموقع الأفضل لبناء الدير، وفي ختام التسعاوية قرّرنَ قصدَ البطريرك وطلبَ مشورتِه، وحصَل ما لم يكن في الحسبان. حيث أوصَلت العناية الألهية السيّدة أندريه ناكوزي إلى صور وروَت حكاية ابنتِها ماريا. فهمَت الراهبات الرسالة ووافقنَ فوراً، معتبراتٍ أنّ وصول السيّدة أندريه ناكوزي في اليوم الأخير للتسعاوية هو بحدّ ذاته إشارة.
اليوم الكبيرسيحضره 5000
في 9 تمّوز 2016، ستدشَّن الكنيسة الأولى في العالم خارج إيطاليا للقدّيسة فيرونيكا جولياني، في حضور السفير البابوي غابريال كاتشيا وبطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، وسيَحتفل بالذبيحة الإلهية المطران كميل زيدان راعي أبرشية أنطلياس مع عدد من المطارنة ولفيف مِن الكهَنة من مختلف المناطق اللبنانيّة. سيبدأ الاحتفال عند الساعة السادسة مساءً وسيؤمّن أكثرُ من 20 كاهناً الاعترافات للمصَلّين.
ومِن المتوقع أن يتخطّى عدد المشاركين الـ 5000 مؤمِن، سيَحضرون من إيطاليا وأوستراليا وكندا والولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى اللبنانيين الذين شدَّتهم سيرة حياة القدّيسة فيرونيكا.
« فيرونيكا جولياني، مَن هي ؟
ولِدت Ursula عام 1660 من عائلة مرموقة مؤلّفة من 7 بنات، اثنتان توفيتا وهما طفلتان، وأربع راهبات. خسرَت والدتَها عند الخامسة من عمرها، لم تكترِث لجمالها بل كانت توّاقةً إلى الصلاة.
واختارت الديرَ الأكثرَ فقراً والأكثر تقشّفاً، ديرَ الكبّوشيات للقدّيسة كلارا. منَحها الأسقف اسمَ فيرونيكا وتنبَّأ بقداستِها المستقبلية. وعندما ألبسَها المطران الثوبَ، شعرَ بنوع من الانخطاف وبأنّ هذه الصبية ستَخرج من الدير قدّيسة تتشبَّه بآلام المسيح.
30 سنة عاشَتها فيرونيكا مع جروحاتها المتواصلة. رسالتُها خلاص النفوس، وخصوصاً الذين بحاجة إلى صلاة. كان الشيطان يعذّبها كلّ ليلةٍ… وكان يسوع يظهر عليها ليلاً مخضّباً بالدماء، ويدعوها إلى مساعدته في خلاص النفوس، وقد عاشت فيرونيكا اختباراتٍ صوفية، وفي يوم الجمعة العظيمة 1697، نالت القدّيسة فيرونيكا جروحاتِ المسيح؛ فقد كانت راكعةً تصلّي في غرفتها، وفجأةً اختفى سقفُ الغرفة وأرضيتُها ولم يعُد هناك سوى الغيوم.
ومِن الغيوم إلى السماء ظهرَ صليب يسوع، وأمُّه مريم راكعةٌ على رجلَي الصليب تَطلب من ابنها أن ينعمَ على ابنتها المفضّلة فيرونيكا بجروحاته. فخرَجت من جراحه خمسة إشعاعات متوهّجة: أربعة تحمل مسامير والخامس يحمل حربةً ملتهبة من ذهب، فأخترقَت تلك الحربةُ قلبَها، واخترقَت يديها ورجليها ، ثمّ عادت الإشعاعات إلى جراح المخلّص…
هذا الاختبار سَردته فيرونيكا على الجميع يوم الجمعة العظيمة. وقد وثّقَت هذه الرؤية في كتاب، وأودَعتها إلى رؤسائها الروحيّين، وتقول فيه إنّ يسوع طبَعها بجروحاته وميّزَها بهذه النعمة.
شاءَت العناية الإلهية أن تظلّ فيرونيكا جولياني مدّة 250 سنة في الخَفاء، لأنّ رسالتها محفوظة لهذا الزمن.
إنتظرتُ ولادتكِ منذ الأزَل»
قال لها يسوع: «لقد انتظرتُ ولادتكِ منذ الأزل»، لأنّها تحملُ رسالةً خلاصيّة لهذه الأزمنة الصعبة. وقالت لها العذراء مريم: «أنتِ قلب قلبي» لأنّها كانت تلميذة مريم في التواضع والتكفير والغيرة على خلاص النفوس. إنّها قدّيسة عملاقة… عملاقة في الألم وعملاقة في التكفير عن خطايا العالم…
عاشَت آلامَ المسيح وحمَلت كلَّ جراحاته وتحمَّلت آلامَ الجَلدِ وإكليلَ الشوك والمسامير… زارت جهنّم والمطهر وكانت تنخطف إلى السماء وتعيش الأعراسَ السماويّة مع عريسِها يسوع… أفرغَت المطهر من النفوس المطهريّة ثلاث مرّات، وبعد وفاتها وُجدَت على قلبها محفورةً كلُّ أدوات التعذيب التي اختبرَتها والحَرفُ الأوّل مِن إسم «يسوع» وإسم «مريم».
السماء اختارت لبنان لتنطلقَ منه هذه القدّيسة العملاقة… وكما يدلّ إسمُها فيرونيكا vraie icone فهي الصورة الحقيقية ليسوع.
أمّا لماذا اليوم؟
يقول أصدقاء القدّيسة فيرونيكا إنّه مِن المؤلم ألّا تكون القدّيسة فيرونيكا جولياني من بين القدّيسات المعروفات جيّداً في لبنان، وربّما أرادت قدرةُ الله العظيمة أن تتشاركَ القدّيسة فيرونيكا مع قدّيسي لبنان، وتدخّلَت العذراء بنفسِها لتطلبَ إقامة الكنيسة الأولى في العالم على اسمِ حبيبتها في لبنان، من خلال ظهورها على ماريّا ناكوزي محمِّلةً إيّاها الرسالة في أصعب وأسوأ زمنٍ تمرّ فيه الكنيسة والبشرية، الأمر الذي سيكرّس لبنان مقاماً للقدّيسين من مختلف أقطار العالم، وسيَزيده مناعةً لمواجهة شياطين الأرض وعملائهم، وسيَنصره في النهاية لتكتملَ النبوءة.