كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
في كل ما يفعله العماد ميشال عون، يوحي بأنّه يجيّر لعبة الوقت لمصلحته. هناك من يراهن على مرور الزمن الثقيل على سيد الرابية لدفعه الى اعادة تدوير حساباته، وحمله على الانتقال من الخطة «أ» الى الخطة «ب» فيصير «صانع الملوك» بعدما صارع ليصبح ملكاً.. ولكن دائما مع وقف التنفيذ.
لكن «المقاتل العتيق» يحسبها بطريقة أخرى. يتكل على قاعدة ذهبية مفادها أنّ من يصرخ أولاً هو الذي سيندفع أكثر باتجاه تقديم تنازل: طالما أنّ حالة الموت السريري التي تصيب البلاد تقضم من رصيد سعد الحريري المحاط بمعارك ذوي القربى، من الأفضل ترك زعيم «المستقبل» أسير أوجاعه، الى أن يصرخ، فيقدّم أوراق اعتماده الى السرايا الكبيرة الى الرئيس ميشال عون.
وبالفعل، ثمة من بات مقتنعا في محيط سعد الحريري بهذه المعادلة، ولا يرى سبيلاً الى النجاة من حصار التصحّر المالي ومن ضغط التشقّقات السياسية في البيت السنّي، الا بترفيع «الجنرال» من رتبة «زعيم» الى رتبة «رئيس».
ليس هذا فقط. يعتقد أصحاب هذ الرأي أنّ الذهاب مباشرة الى لبّ الأزمة، وهو الرئاسة، وتحديداً ترشيح ميشال عون، وحلّ معضلتها عبر انتخاب الرئيس، قد يعيد صياغة قواعد اللعبة، والمقصود بها رزمة الضمانات التي يريدها «حزب الله» كمرحلة فاصلة بين ما هو قائم راهناً… وما هو مرغوب للغد. وقد عبّر عنها الرئيس نبيه بري من خلال سلة التفاهمات التي دعا الى مناقشتها في الخلوة المنتظرة مطلع آب المقبل.
وفي «تيار المستقبل»، ثمة من هو مقتنع بأنّ قيادته لم يعد بامكانها تقديم المزيد من التنازلات. بنظر هؤلاء يعتبر ترشيح سليمان فرنجية أقصى تنازل، وذلك اعتقاداً من الحريري بأنّ الذهاب الى أبعد الخيارات الضامنة لـ «حزب الله» ولعودته مستقبلا من سوريا، سيقطع الطريق أمام تنازلات أخرى، وخصوصا تلك التي يمكن أن تمس «الصيغة»: (الطائف).
هنا بيت القصيد. يدرك «المستقبليون» أثمان المتغيرات الحاصلة من حولهم في الإقليم، وفي عقر دارهم، ويعرفون أنّ عامل الوقت ليس لمصلحتهم، وأنّ ما يرفضون تقديمه اليوم قد يضطرون لدفعه غداً. لذا، تراهم يبحثون في كومة قشّ المعطيات المحلية والخارجية عن ابرة انعاش تمدهم بمقويات وتحد من حالة الموت البطيء.
لا مجال للبحث في أية ضمانات سياسية ودستورية يريدها «حزب الله» للمرحلة المقبلة وهي تبدأ بقانون انتخابي وتنتهي بضوابط دستورية لإدارة الحكم في المرحلة المقبلة.
بهذا المعنى، هناك من يعتقد أنّ العودة الى خيار ميشال عون قد يعفي «المستقبل» من كل هذه الأثمان الباهظة، خصوصاً أنّ «حزب الله» مستعد للنزول الى الجلسة الانتخابية في البرلمان ووضع اسم حليفه في الصندوقة الرئاسية، طالما هو المرشح الأول كما أكد السيد حسن نصر الله في أكثر من مناسبة. لا بل يشدد الحزبيون على أن الاختبار الحقيقي لموقف الحزب يكون بتبني ترشيح عون من قبل الحريري.
عند هذا التقاطع بالذات، وجد سعد الحريري وسمير جعجع مساحة مشتركة تعيد بعض الحيوية الى علاقتهما المتعثرة، لا بل المتوترة. للرجلين مصلحة مشتركة في تعويم النظام القائم بكل علّاته. لذا هما مقتنعان أنّ مفتاح الحل رئاسي بامتياز، ومن خلاله، تُفتح باقي الأبواب، وبواسطته يقطع الطريق على مسار التنازلات.
من هنا، تلاقت مواقف الحريري وجعجع عند قاعدة «الرئاسة أولاً»، أي عزل المسارات التفاوضية، ما يعني رفض منطق السلة التي يطرحها الرئيس نبيه بري ويقدّمها على أنّها خارطة الطريق لإعادة فتح أبواب القصر الجمهوري.
بهذا المعنى أيضاً، وجد جعجع جسراً لملاقاة وليد جنبلاط على مائدة نعمة طعمة. زعيم المختارة رفع أصابعه العشرة استسلاماً لأي خيار رئاسي ينهي «فخامة الشغور». صارت الأسماء بالنسبة اليه تفصيلاً لا يقدّم ولا يؤخر في المشهد الداخلي الآخذ بالتدهور أكثر فأكثر.
رئيس «اللقاء الديموقراطي» سبق له أن سلّف الرابية موقفاً مؤيداً لـ «جنرالها»، وهو وفق عارفيه ليس زلة لسان ولا تمريرة تنتظر ردّ الرجل، لأنّ «بيك المختارة» بات مقتنعاً أنّ الأفق مسدود ولا امكانية لتحقيق خرق ما الا إذا قرعت أبواب الرابية. والأرجح لمعت في رأسه فكرة قيادة حوار داخلي، على طريقة door to door لمناقشة هذا الطرح وتأمين مظلة التوافق المطلوبة له.
هكذا صار ميشال عون تقاطعاً مقبولاً لو انضم «تيار المستقبل» الى قافلة مريدي «الجنرال». هل يعني ذلك أنّ ما يبشّر به العونيون حول بدء احتفالات النصر بالرئاسة، سيصير واقعاً ملموساً، وأنهم على موعد مع تمضية الصيف الرئاسي في قصر بيت الدين؟
يقول أحد المطلعين إنّ الخيارات المتاحة أمام سعد الحريري صارت ضيقة جداً، وقد يكون أقلها كلفة خيار ترئيس عون، ولكن مع ذلك ثمة معوقات كثيرة قد تحول دون كتابة نهاية سعيدة لهذا السيناريو، أقله في المدى المنظور:
ـ أولاً، خشية رئيس «تيار المستقبل» من القيام بخطوة، هي وفق تقديراته، أشبه بالقفز في المجهول، بسبب رفض شريحة كبيرة، قيادات وجمهوراً، لترشيح رئيس «تكتل التغيير والاصلاح»، خصوصاً أنّ خيار سليمان فرنجية الذي يراه أقل كلفة، كبّده الكثير من الأثمان.
ـ ثانياً، موقف «حزب الله» من سلّة «الضمانات» التي يطرحها رئيس مجلس النواب، لا سيما أنّ بعض المعنيين صاروا مقتنعين أنّ الضاحية الجنوبية لن ترضى بسهولة ضمّ بصمتها الى خطاب قسم الرئيس المقبل، من دون صياغة تفاهم داخلي يرسم توازنات المرحلة المقبلة السياسية.
ـ ثالثاً، هل يخاطر الحريري بترك مسألة رئاسته للحكومة بيد رئيس الجمهورية المقبل، أم يتفاوض بشأنها بشكل مباشر؟
ـ رابعاً، الى أي مدى هناك امكانية لفصل المسار اللبناني عن السوري، وانتخاب تالياً رئيس للجمهورية اللبنانية من دون اتضاح صورة الحرب السورية واتجاهاتها المستقبلية؟
ـ خامسا وأخيرا، ليس واردا في قاموس السعودية في زمن المحمدَين (بن نايف وبن سلمان) طرح اسم «الجنرال»، فهذا أمر دونه محاذير كثيرة، برغم التكاذب السياسي الذي رافق عشاء اليرزة الأخير.