كتب رضوان مرتضى في صحيفة “ألأخبار”:
لُفلِفت فضيحة بطلها جهاز أمن الدولة، بعدما أعلن القيّمون عليه توقيف «خلية إرهابية مرتبطة بداعش» في منطقة عاليه بداية حزيران الماضي، زاعمين أنّهم أوقفوا أميرها بعد عملية رصد ومتابعة دقيقة. لم يطل الأمر حتى أحال القضاء العسكري أفراد الخلية المزعومة إلى «فرع المعلومات» للتحقيق معهم، لكنّه ما لبث أن أخلى سبيلهم جميعاً بعد ثبوت عدم صلتهم بأي من التنظيمات المتشددة.
وعلمت «الأخبار» أن عناصر البلدية كانوا قد أوقفوا العمّال بعد نشوب خلاف بينهم، وسلّموهم إلى أحد رتباء مديرية أمن الدولة، ليُفاجأوا لاحقاً بخبر أن بينهم «أميراً في داعش»، بحسب ما أعلنت المديرية.
هكذا، ببساطة، أوقف عناصر هذا الجهاز ٤ عمّال سوريين وألصقوا بهم تهمة الإرهاب. لم يتريّثوا للتثبت من الشبهة، بل سارعوا إلى تسريب الخبر إلى وسائل الإعلام منتشين بـ«إنجازٍ» أمني لم يحصل، وزاعمين إحباط تفجيرات انتحارية كانت قيد الإعداد. جوع هؤلاء للدخول في السباق مع باقي الأجهزة الأمنية لم يردعهم عن اختلاق أو تضخيم أو فبركة. وهذا الأمر سبق أن حدث في أكثر من قضية بصور مختلفة. يُريد القيّمون على المديرية، ولو إعلامياً، إثبات أنّ هذا الجهاز مُنتج يُتّكل عليه. لكنهم لم يكلّفوا أنفسهم يوماً عناء العمل على ضباطه وعناصره. لم يأبهوا لجهود العديد من الضباط التي تُبذل على الصعيد الأمني والاستخباري، لتُرمى لاحقاً تقاريرهم في الأدراج.
هذا الوضع المتردي ينسحب على قيادة المديرية، وتحديداً المدير العام اللواء جورج قرعة، الرجل الذي يكرر أنّه كسر الرئيسين نبيه بري وتمام سلام، مفاخراً بأنّه أسقط التمديد المقترح لنائبه العميد محمد طفيلي قبل إحالته على التقاعد، ومتباهياً بوعد قطعه له النائب ميشال عون بأنّه باقٍ حتى آخر ثانية من ولايته في ٢٦ حزيران عام ٢٠١٧. اللواء قرعة نفسه الذي منع عنه الرئيس سلام الملاحقة من قبل النيابة العامة المالية على خلفية مقال نشرته «الأخبار» بعنوان «دكّانة قرعة» بشأن مبالغ مالية مجمدة، ينهمك اليوم في إعادة تجميع كافة المعاملات الإدارية التي كانت متوقفة، والمتعلقة بالمصارفات التي كانت مجمّدة لعدم وجود تأشيرة نائب المدير العام عليها، ليقوم بإعادة إرسالها إلى وزارة المالية لقبضها، لا سيما أن المبالغ المجمّدة تبلغ أربعة مليارات ليرة (بمعدّل ٣٨٥ مليون ليرة شهرياً، وهي متوقفة منذ تموز العام الماضي). وهو يستند في ذلك إلى استشارة غير ملزمة من وزارة العدل تسمح بأن يوقّع المدير العام المعاملات الإدارية في غياب نائبه بسبب الأوضاع الأمنية في حينه. غير أنّ مرسوم تنظيم المديرية رقم ٢٦٦١ الصادر عام ١٩٨٥، يعطي الصلاحية في حال شغور منصب نائب المدير العام لرئيس الحكومة، لكون الجهاز تابعاً لرئاسة مجلس الوزراء، فيما تبقى في يده القرارات التي تتعلق بتسيير شؤون المرفق العام. وعليه، فإنّ قرعة الذي بات يلعب منفرداً حتى حين، بعد سنة ونصف من الكباش مع الطفيلي الذي أحيل على التقاعد الشهر الماضي، يسعى جاهداً للاستفراد بقرارات المديرية وإيجاد الثغر للتحكّم في مقدراتها، استباقاً لتوقيع مرسوم نائب المدير العام الذي يرجّح أن يكون مدير مديرية أمن الدولة في النبطية العميد سمير سنّان، بوصفه الضابط الشيعي الأعلى رتبة بين ضبّاط المديرية (علماً بأن البحث يشمل ضباطاً آخرين، لخلافة الطفيلي، من داخل المديرية ومن خارجها).
العميد الطفيلي أُحيل على التقاعد في ٢٧ حزيران الماضي. في السابعة من صباح اليوم نفسه، وفي إجراء كيدي، أصدر المدير العام لأمن الدولة قراراً قضى بإقفال مكتبه وأمانة السر. كذلك اتُّخذ إجراء بإحالة العسكريين التابعين لنائب المدير العام إلى الديوان، تمهيداً لتشكيلهم قبل أن يتم التريّث في تنفيذه. كذلك أقدم على سحب الحرس الخاص لنائب المدير، ورفعت المنازل الجاهزة المخصصة لهم.
وعلمت «الأخبار» أنّ أحد القضاة المستشارين في المديرية مكلّف من اللواء قرعة والعميد بيار سالم بإجراء دراسة قانونية حول ضرورة حصر الامتيازات (الأمانة العامة والحرس) بالمدير العام، بدلاً من أن تكون مشتركة مع نائبه.
أما بشأن الخلاف المستمر مع رئيس الحكومة، لا سيما أنّ الأخير لا يزال يرفض استقبال قرعة، فذكرت المصادر أنّ الأخير بالتعاون مع سالم يحاولان استرضاء سلام، عبر استحداث بعض المراكز لضباط من الطائفة السنية في مديريات إقليمية.
لعب اللواء جورج قرعة على وتر الطائفية، أوحى بأنّ المخالفات القانونية التي يرتكبها وعصيانه أوامر رؤسائه، ليست سوى مزاعم تتلطى خلفها معركة ضد حصص الطوائف المسيحية. تحصّن الرجل بطائفته للتعمية على حال الجهاز الذي يُحتضر. كسب الرهان بتهديد السلم الأهلي وحرّض طائفياً، ورغم كل ذلك تتحدث المعلومات عن توجه لمنحه جائزة ترضية إذا خرج من السلك، بتعيينه سفيراً في إحدى الدول الأوروبية.