كتبت صحيفة “الشرق الأوسط”:
يومان حافلان باللقاءات الرسمية والسياسية والروحية والاقتصادية والاجتماعية سيمضيهما وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت في بيروت: “الاثنين والثلاثاء المقبلين”، ستنصب في الجانب الأكبر منها في دعوة اللبنانيين إلى وضع حد للأزمة السياسية المتمثلة بالفراغ الرئاسي والاستفادة من “المناخ الجديد” لإيصال الرئيس العتيد إلى قصر بعبدا.
إشكالية الزيارة أن الوزير الفرنسي “لا يحمل أفكارا جديدة” كما تقول أوساط الخارجية بل هو متسلح بقدرة فرنسا على “الحديث إلى الجميع” داخل لبنان وخارجه، وبتمسكها باستقلال واستقرار وسلامة لبنان ووعيه للمخاطر المحدقة به، إن أمنيا أو سياسيا أو اقتصاديا، والحاجة إلى درئها عنه. وترى باريس أن “تعقيدات” الوضع في لبنان ليس سببا لكي تمتنع عن أي تحرك بل إنها، عكس ذلك تماما، ترى وجود حالة ملحة “لتعبئة جهودها وجهود الآخرين” لإخراج لبنان من الطريق المسدود. لكنها بالمقابل، اعترفت أن فرنسا “لا تملك عصا سحرية” لإيجاد حل للأزمة السياسية المستعصية في لبنان.
ولكن ما العناصر التي يعول عليها الوزير الفرنسي الذي سيلتقي إلى جانب المسوؤلين الرسميين “وزير الخارجية ورئيسي مجلسي الوزراء والنواب والمسؤولين السياسيين الرئيسيين في لبنان بمن فيهم المرشحان الرئاسيان ميشال عون وسليمان فرنجية والسلطات الروحية”؟ تشير المصادر الدبلوماسية الفرنسية إلى أن أيرولت الذي أثار الملف اللبناني مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، الذي التقاه في باريس يوم 23 حزيران الماضي، والأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، الذي زار فرنسا رسميا من 27 وحتى 29 حزيران، خرج بانطباع مفاده أن الطرفين “لا يعارضان تسوية سياسية في لبنان”. وبالنسبة لإيران تحديدا، فقد قالت المصادر الرسمية الفرنسية إن ظريف أشار إلى “إمكانية حصول اتفاق سياسي للخروج من الأزمة اللبنانية”.
ونقلت المصادر الفرنسية أن أيرولت قال لظريف، إنه “لا يتعين أن ننتظر نهاية النزاع في سوريا” لوضع حد للأزمة اللبنانية، وبالتالي يتعين على القوى اللبنانية أن تقيم فاصلا بين أزمات المنطقة وبين بلدها. ولهذا الغرض، فإن الوزير أيرولت يذهب إلى لبنان “ليرى كيف يمكن ترجمة ذلك عمليا”.
وتضيف هذه المصادر أن وزير الخارجية “سينقل هذه الرسالة إلى اللبنانيين” وسيؤكد لهم أن باريس “لا تملك خطة” لكنها بالمقابل “مستعدة للحديث إلى جميع الأطراف في الداخل والخارج من أجل تسهيل الحل” الذي من المفترض به “أن يلائم جميع اللبنانيين”.
بيد أن أيرولت سيحمل اللبنانيين بالدرجة الأولى مسؤولية التوصل إلى تفاهم من أجل الخروج من المأزق السياسي الذي يعاني منه لبنان منذ عامين وشهرين. وحتى الآن لم تنجح جميع المحاولات والوساطات في إحداث ثغرة في جدار الأزمة، بما فيها الزيارة التي قام بها الرئيس فرنسوا هولاند إلى لبنان في شهرنيسان الماضي، التي لم ينتج عنها أي تقدم. ويرى أكثر من مصدر سياسي في باريس أن حظوظ أيرولت “ضئيلة جدا… لا بل تبدو معدومة” وأن الكلام عن استعداد إيران للحل السياسي “ليس أكثر من تصريحات ظرفية، والأهم النظر في كيفية ترجمتها إلى واقع عبر تصرف حلفاء طهران وعلى رأسهم (حزب الله) في الملف الرئاسي”. ولا تستبعد باريس نفسها أن تلعب إيران “لعبة مزدوجة” بحيث يكون هناك فارق شاسع بين ما يقوله مسؤولوها وبين ما يقدمون عليه. وتضيف هذه المصادر السياسية، أن الملف اللبناني “مربوط أكثر من أي وقت مضى بالأزمة السورية، وبالتالي فإن دعوة أيرولت في بيروت لعزل الملف اللبناني عن الملفات الإقليمية تبدو ممكنة نظريا ولكنها عمليا غير واقعية”.
بيد أن اهتمامات باريس اللبنانية ليست فقط سياسية، بل هي أيضا اقتصادية – اجتماعية بالنظر لعبء اللاجئين السوريين الذي يتحمله لبنان، حيث تتراوح نسبة هؤلاء ما بين 20 إلى 25 في المائة من عدد السكان. ولهذا الغرض، تعمل باريس على خطين: المساعدات المباشرة التي ستصل إلى 50 مليون دولار خلال العام الحالي”مائة مليون دولار على ثلاثة أعوام” وستوزع لتمويل مشاريع تقوم بها وكالات الأمم المتحدة و”الصليب الأحمر” والمنظمات غير الحكومية. والخط الثاني: التحضير لاجتماع لمجموعة الدعم للبنان في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل. وكانت باريس وراء قيام هذه المجموعة ومن المرتقب أن تجتمع على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي الشأن الاقتصادي – المالي وبالنظر للمضاعفات السياسية التي نتجت عن التزام لبنان، عبر المصرف المركزي وحاكمه رياض سلامة، بما صدر عن الولايات المتحدة بشأن حزب الله وتبييض الأموال، فإن الوزير أيرولت سيجتمع بسلامة من ضمن الشخصيات الرسمية التي سيلتقيها. وأشادت المصادر الدبلوماسية الفرنسية بدور حاكم مصرف لبنان الإيجابي في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي في لبنان، وسيعمد أيرولت إلى نقل رسالة إلى سلامة مفادها أن فرنسا “تعترف بجهود لبنان” وأنها جاهزة لتوفير الدعم له ولنقل الرسالة نفسها إلى شركائها لحثهم هم أيضا على الوقف إلى جانب لبنان. وتعتبر باريس الأزمة الاقتصادية في لبنان “الأكثر إثارة للقلق” بسبب البيئة الإقليمية المتفجرة وتزايد أعداد اللاجئين والفراغ المؤسساتي والأزمة الاقتصادية و”بعض القرارات التي اتخذها عدد من البلدان” بحق لبنان ومن آثارها: “نسف دينامية الاقتصاد اللبناني”. فضلا عن ذلك، أشارت هذه المصادر إلى أن مبالغ مهمة للغاية ومشاريع استثمارية، إن كانت فرنسية أو أوروبية، في لبنان تحتاج لتشريعات وقوانين، وهذا غير موجود بسبب الصراع السياسي في لبنان، الأمر الذي يحرم هذا البلد منها. وعلى سبيل المثال، فإن مشاريع بقيمة أربعين مليون يورو بين الوكالة الفرنسية للتنمية ولبنان مجمدة بسبب غياب التشريعات، وأخرى ألغيت للأسباب نفسها. ومن الأمور التي سيسعى الوزير الفرنسي لإثارتها مع المسؤولين اللبنانيين أن إعادة تفعيل المؤسسات اللبنانية، وأولها مؤسسة رئاسة الجمهورية، لا يمكن إلا أن ينعكس إيجابا على الوضع الاقتصادي اللبناني.
بموازاة الشؤون السياسية، سيعيد أيرولت تأكيد دعم بلاده للجيش اللبناني. غير أن المصادر الفرنسية لم تعط أي تفاصيل علنية بهذا الشأن، مكتفية بالقول إن باريس تدعو باستمرار إلى دعم الجيش اللبناني لما يمثله من ضمانة لأمن واستقرار لبنان. كذلك سيزور أيرولت الجنوب اللبناني والقوة الفرنسية العاملة في إطار اليونيفيل.