كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
لئن لا يزال الوقت مبكراً لبتّ مصير قيادة الجيش بانتهاء ولاية العماد جان قهوجي في 30 أيلول، الا ان اختبار ما سيكون عليه وضعها القانوني يقيم قبل ذلك الموعد، قبل 21 آب مع انتهاء تأجيل تسريح اللواء محمد خير.
ليس انتهاء تأجيل تسريح الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير في 21 آب، وانتهاء تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي في 30 ايلول، وحدهما استحقاق المؤسسة العسكرية.
ثمة موعد مع إحالة رئيس الاركان اللواء وليد سلمان على التقاعد نهائياً في 30 ايلول ايضاً، بعدما استنفد سني خدمته العسكرية بانقضاء 43 عاماً، ما يقتضي توقع التئام مجلس الوزراء لتعيين خلف له. يفضي ذلك الى توقع مواز يسبق 21 آب، في اقل من شهر ونصف شهر، وهو سبل إخراج سلة متكاملة للمناصب الثلاثة تلك في الجيش.
كان الضباط الكبار الثلاثة السنة المنصرمة في سلة تأجيل واحدة، في قرار وقّعه وزير الدفاع سمير مقبل في 6 آب. الا ان اي قرار جديد مماثل محتمل اليوم دونه عقبات يتداخل فيها الموقف السياسي بالمتطلبات العسكرية. مجلس الوزراء مدعو بثلثي أعضائه الى تعيين رئيس جديد للاركان، والا دخل المنصب في شغور كون قانون الدفاع لا يلحظ انتقال صلاحيات رئيس الاركان الى اي ضابط دونه عند خلوّه من صاحبه، على غرار الحال التي يملأ فيها رئيس الاركان شغور منصب قائد الجيش عند تغيّبه أو أي سبب آخر. ثم ماذا عندما يشغر المنصبان معاً كل لأسباب مختلفة؟ مع أن ثمة عرفاً، نظرياً على الاقل، متداولاً في المؤسسة العسكرية، يتحدث عن تولي الضابط الاقدم ترقية بين رفاقه الضباط الاعلى رتبة الإمرة عند وقوع الشغور المزدوج، لم يسبق أن خبر الجيش مرة هذا العرف، مقدار ما شهد عشرات مرات انتقال صلاحيات قائد الجيش الى رئيس الاركان موقتاً، مرة بسبب انتخاب القائد رئيساً للجمهورية (1958 و1998 و2008)، ومرة بسبب تعيين القائد وزيراً (1957 و1978)، ومرات تلو أخرى بسبب سفر قائد الجيش. بيد أن ثمة سابقة قريبة من ذلك العرف بالكاد عاشت ساعات قليلة، على اثر مقتل قائد الجيش العماد جان نجيم في 24 تموز 1971 في سقوط طوافته، فشغر منصبه. ورغم وجود رئيس للاركان هو العميد سعيد نصرالله الأعلى رتبة بعد القائد آنذاك، قال العميد زين مكي في اجتماع عام للضباط بانتقال الإمرة اليه بصفته الضابط الاقدم رتبة. حمل ذلك رئيس الجمهورية سليمان فرنجيه ووزير الدفاع بالوكالة الياس سابا على الذهاب الى اليرزة لاستيعاب ضجة مكي، قبل أن يدعو فرنجيه العميد المتقاعد اسكندر غانم من منزله لتعيينه في اليوم التالي قائداً للجيش وترفيعه الى عماد. بذلك يمسي العرف غير ذي جدوى، غير واقعي، لم يسبق أن اختبر وكُرّس قاعدة.
على نحو كهذا، فإن مجلس الوزراء ملزم تعيين رئيس جديد للأركان. أضف أنه، بالنصاب الموصوف نفسه، ملأ في 28 كانون الثاني شغور ثلاثة مقاعد في المجلس العسكري بعد إحالة أصحابها على التقاعد في ايار 2013. بالتأكيد لا يدخل تعيين مدير جديد للمخابرات هو العميد كميل ضاهر في 2 آذار في القياس نفسه، نظراً الى عدم حاجته الى تصويت في مجلس الوزراء، بل يكتفى بمذكرة يوقعها وزير الدفاع. إلا أن هذا الاجراء عُدّ في حينه محاولة في سياق سلسلة، لإخراج المؤسسة العسكرية من سجال سياسي وآخر قانوني حيال تعطيل آلية التعيينات فيها. كان قد أرجئ تسريح سلفه العميد ادمون فاضل ثلاث مرات ما بين عامي 2013 و2015، قبل أن يستدعى في السنة الاخيرة من الاحتياط لمدة ستة أشهر لم يصر الى تجديدها.
إلا أن مكمن الخلاف في مقاربة استحقاق ايلول، في الخلاف الذي لا يزال يجرجر أذيالاً حيال تأجيل تسريح قهوجي مرتين سابقتين: أولى عام 2013 لسنتين، وثانية عام 2015 لسنة واحدة. وها هو الاستحقاق وشيك للمرة الثالثة تحت وطأة الدوافع نفسها: الموقف السياسي والمتطلبات العسكرية.
عند تأجيل التسريح الاول لقهوجي في ايلول 2013، في ظل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وكانت استقالت في حزيران وتولت تصريف الاعمال، اقترح الرئيس ميشال سليمان تأجيل تسريح لسنة، بينما فضّل وزير الدفاع فايز غصن ثلاث سنوات. لكن نقاشاً دار بين المرجعيات الثلاث المعنية بقرار تأجيل التسريح تناول ما يمكن ان ينتظر البلاد السنة التالية، ثمانية أشهر قبل نهاية ولاية سليمان، واحتمال تعذّر انتخاب رئيس خلف له من جراء الانقسام الداخلي في معظم الملفات، بما فيها الاستحقاق الوشيك، ما يجعل تأجيل التسريح لسنة واحدة محفوفاً بخطر انتهائه بالتزامن مع شغور رئاسة الجمهورية بعد ايار 2014. انتهى المطاف بتأجيل تسريح لسنتين، ثم كان لسنة واحدة ثالثة العام المنصرم.
بالتأكيد لا تزال العقبات التي جبهت تأجيلي التسريح الاولين قائمة لدى الفريق الاكثر اعتراضاً، وهو الرئيس ميشال عون الذي سيخبر هذه المرة مواجهة من نوع مختلف: لا مرشح للمنصب لديه شأن ما كان عليه صهره العميد المتقاعد شامل روكز، ولا تغيير مستجداً في مواقف حلفائه القائلين إنهم مع قائد جديد يتفق عليه وضد الفراغ، وخصومه القائلين ان لا قائد جديداً قبل انتخاب رئيس جديد.
يُفترض في مجلس الوزراء الانعقاد قبل 21 آب والظهور بمظهر بت مصير المناصب الثلاثة، وستكون مناسبة لإبرام صفقة متكاملة تتوزع بين تصويت المجلس وقرار وزير الدفاع في ما بعد:
ــ لا يزال خير يحظى بتأييد الرئيسين تمام سلام وسعد الحريري في منصبه اميناً للمجلس الاعلى للدفاع، ناهيك بأنه لا يزال في السنة الاربعين في خدمته، ما يبقي المجال متاحاً لثلاث سنوات اخرى.
ــ ثمة ثلاثة ضباط دروز مرشحين لرئاسة الاركان هم العمداء حاتم ملاك ومروان حلاوي وامين ابومجاهد. الاول يبدو الاوفر حظاً لسببين: أولهما أن اسمه يرد أول في مرسوم الترقية ما يجعله يتقدم حلاوي، وثانيهما وهو الاهم أنه يحظى بدعم النائب وليد جنبلاط الذي يقول في العلن إنه مع تعيين الضابط الاقدم رتبة، ما يجعل ملاك ــ للسبب الاول ــ يتقدم رفيقيه. بيد أن ما يرفضه جنبلاط هو شغور رئاسة الاركان المتروكة لطائفته.
ــ يتحوّط وزير الدفاع لجلسة مجلس الوزراء بحمل لائحة من ثلاثة اسماء لكل من المناصب الثلاثة، على أن يترك للمجلس التصويت على أحدها. على أن الإعداد المتقن المسبق للجلسة سيفضي حكماً الى الاكتفاء بالتصويت على تعيين رئيس للاركان فحسب.
حتى الآن يدمج معظم الافرقاء، ما خلا عون، الموقف السياسي بالمتطلبات العسكرية، ويتسلحون بالحجة نفسها لتمديد ولاية مجلس النواب مرتين: القديم على قدمه أو الشغور.
سواء صحت الحجة أم لا، لا قائد جديداً قبل انتخاب الرئيس. على أن عام 2017 سيحزّ سكينه على أعناق الافرقاء السياسيين جميعاً: تنتهي ولاية البرلمان وبلوغ القائد الحالي السنة 44 في الخدمة، من دون التيقن من انتخاب رئيس. فماذا يفعلون؟