كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تعيش بيروت حال انتظارٍ ثقيل لبلْورة أجوبة حول مجموعة أسئلة أطلّت بـ “رأسها” من خلف 3 تطورات داخلية وخارجية شهدتها الأيام الماضية وأثارت “غباراً” سياسياً في لبنان لما انطوت عليه من إشارات “حمّالة أوجه” تتصل بخلفياتها وتداعياتها المحتملة على المأزق الذي “يقبض” على البلاد “المقطوعة الرأس” في ظل الفراغ المتمادي في سدّة رئاسة الجمهورية.
وفي هذا السياق يبدو المناخ الداخلي مشدوداً الى معرفة “الخيط الأبيض من الأسود” في ما ستؤول اليه التطورات الثلاث البارزة التي توزّعت بين بيروت والرياض، وتحديداً حركة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في اتجاه كل من رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط وزعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري، ثم التحرّك اللافت الذي قام به زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون في أوّل ايام عيد الفطر اذ زار دار الفتوى قبل ان يلتقي رئيس البرلمان نبيه بري ويتّصل بالسفير السعودي علي عواض عسيري. اما في السعودية، فكان التطور الأهمّ الذي استقبل معه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز رئيس الحكومة تمام سلام والحريري اللذين أديا معه صلاة العيد وتناولا الفطور الى مائدته وذلك بعد أيام قليلة من لقاء اول جمع العاهل السعودي بزعيم “المستقبل”.
وطرحتْ حركة عون وجعجع، التي بدا واضحاً ارتباطها بالملف الرئاسي، أسئلة حيال ملابساتها واذا كانت مؤشراً الى تحولات ما يُقبِل عليها المشهد السياسي، كما أثارت عودة الحرارة الى علاقة الرياض مع لبنان الرسمي من خلال استقبالها سلام أسئلة مماثلة حول اذا كان هذا الأمر يعني صفحة جديدة فُتحت بعد الانتكاسة غير المسبوقة التي تفاعلتْ على مدى الأشهر الاربعة الماضية بعد اعتبار المملكة لبنان “مسلوب الإرادة” من “حزب الله”.
اما الاستقبالان اللذان خص بهما العاهل السعودي، الحريري، فشكلا بدورهما محور اهتمام كبيرا نظراً الى ما يفترض ان يترتّب عليهما من ردّ الاعتبار لمكانة زعيم “المستقبل” لدى المملكة، بعد الانطباع بأن هذه المكانة اهتزّت، واستطراداً موقعه في لبنان في إطار لعبة التوازنات ذات الطبيعة الداخلية والخارجية.
وعشية أسبوعٍ حافلٍ بالمحطات السياسية، استمرّت “التحريات” عن سرّ اندفاعة جعجع على خط جنبلاط – الحريري والتي أعقبها خروج عون من وضعيّة الانتظار رئاسياً الى مرحلة محاولة فتح الأبواب الموصدة أمامه “بيده”.
وفي هذا السياق تعتبر دوائر سياسية ان حركة جعجع وعون تتكاملان، الأوّل ساعياً الى تسويق مرشّحه زعيم “التيار الحر” مدفوعاً باقتناع بأن هذا هو الخيار الوحيد المتاح لكسر تعطيل “حزب الله” وايران للاستحقاق الرئاسي واسترهانه للواقع الاقليمي وتالياً ترْكه بمثابة “صاعق” يمكن ان يُسقِط النظام اللبناني برمّته المرتكز على اتفاق الطائف وذلك بحال استمرّ الشغور الرئاسي حتى الانتخابات النيابية المقبلة (ايار 2017) ما سيعني وقوع البلاد في الفراغ القاتل.
اما عون، الذي يراهن على متغيرات خارجية تعزز فرصه، فبدا من خلال حركته كمَن أدرك ان هذا الأمر لا يكفي لوحده لتعبيد الطريق امام وصوله الى قصر بعبدا بل ان ثمة حاجة لدينامية داخلية تُطَمئن كافة الأفرقاء وتحديداً المتحفظين على انتخابه، بدءاً من الرئيس بري وليس انتهاءً بالرئيس الحريري.
واذا كانت دوائر سياسية تعاطت مع تحرّك عون، الذي سبقه تفاهم مفاجئ بينه وبين بري على ملف النفظ والغاز، على انه تأكيد لوجود مبالغات في المناخ الذي ساد أوساطه بأن مسألة وصوله الى الرئاسة باتت “في اليد”، فإن الأكيد ان ثمة محاولات داخلية لإخراج الاستحقاق الرئاسي من حال “الغيبوبة” وسط تلاقٍ بين خوفيْن يعبّر عنهما كل من بري وقادة في 14 آذار من مغبة بلوغ الاستحقاق المفصلي المتمثل بالانتخابات النيابية قبل ملء الشغور الرئاسي.
ومن هنا تشير هذه الدوائر الى ان هذا التلاقي، يعني في مكان ما إما ان ما يشهده لبنان هو تقطيع جديد للوقت بانتظار انقشاع الرؤية اقليمياً ولا سيما في الملف السوري، وإما ان المرحلة المقبلة ستكون مفتوحة على كباش حول شروط التسوية الرئاسية وضماناتها من ضمن السلّة الكاملة التي اقترحها الرئيس بري تحت مسمى “دوحة لبنانية” حدّد لها موعداً في 2 و 3 و 4 اب المقبل.
وحسب الدوائر نفسها، فإن هذه السلّة التي تشمل في شكل رئيسي ملف الرئاسة وقانون الانتخاب والحكومة الجديدة رئيساً وتوازنات وبياناً وزارياً وبعض التعيينات الأمنية والمصرفية وضوابط لإدارة الحكم في العهد الجديد، لن تقبل قوى 14 آذار بتحويلها مدخلاً لتكريس أعراف تضرب اتفاق الطائف، فيما لا يمكن لقوى 8 آذار، وتحديداً “حزب الله”، إلا ان تحصل منها على الحدّ الأدنى من الضمانات التي تُطمْئِنها، وسط انطباعٍ بأن اي نجاح لمثل هذا المسار للحلّ لا بد ان يراعي عدم امكان تجاوُز النفوذ السعودي في لبنان ولا تَجاهُل النفوذ الايراني ما يعني عملية ترسيم جديدة للنفوذ على طريقة لا غالب ولا مغلوب، وإلا تمديد وضعية الفراغ ليصبح إنهاؤها مرهوناً بالكامل لما ستحمله التطورات في المنطقة.