IMLebanon

وتبقى دماء “حزب الله” “مشرّعة” على “المشروع الإيراني”

hezbollah

 

كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:

في السابع عشر من أيّار العام 2015، أطل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله من على الشاشة “الصفراء” ليُعلن أنه “سيأتي اليوم الذي لا يكون فيه في الجرود اللبنانية لا داعش ولا النصرة ولا قاطعو الرؤوس، وأن لا خطوط حمراً أمام هذا الهدف المشروع، وأن الشعب اللبناني والبقاعيين قادرون على إلحاق الهزيمة بالجماعات الإرهابية التكفيرية مهما كان دعمها، وأيا يكن من يقف وراءها”.

يومها كانت الجرود هي الهدف المنشود، طبعاً بعد الحجج المُتعلقة بحماية “الحدود” و”المقامات”. وهناك كانت تقف طموحات عناصر “حزب الله” العسكرية منها والأمنية وذلك طبقاً للوعود التي كان يؤكد أصحابها أو مطلقوها، أن التدخل في الحرب السورية لن يتعدى حماية أهالي القرى الحدودية الشيعية وأرزاقهم وممتلكاتهم من هجمات “التكفيريين” و”سكاكينهم” فقط، خصوصاً أن نصرالله كان سبق وأكد مع بداية الثورة، أن الحرب في الداخل هي شأن سوري محض، وأن نظام بشّار الأسد قادر على معالجة الوضع من دون أي مساعدة من أحد.

ذهبت وعود قادة “حزب الله” لعناصرهم أدراج الرياح، فبعد الحدود والوعود والمقامات، كان الداخل السوري هو الهدف المُقبل والذي بدأ من “القلمون” بكل قراه ومناطقه، وصولاً إلى دمشق العاصمة بشقيّها الغربي والشرقي وحمص بأريافها ثم “الزبداني” و”مضايا” ولاحقاً إدلب، إلى أن حط رحاله في ريف حلب. خلال هذا التنقل على جبهات الموت، تنوّعت خسارات الحزب بين مادية ومعنوية وإقتصادية، فقد خسر خلالها ما لا يقل عن الفين من عناصره إضافة الى أكثر من ثلاثة آلاف جريح، كما خسر التعاطف العربي بالإضافة إلى الغضب العارم الذي أحدثه داخل جزء كبير من البيئة المؤيدة له، نتيجة خسارة الآباء والأبناء والأشقاء. كل هذا ووعود الإستمرار بالحرب حتى تعيش ثلث الطائفة الشيعيّة، بـ”كرامة”، بدأت تنسحب خوفاً على الثلثين المتبقيين، من أن ينجر أبناؤهم إلى حرب مفروضة عليهم لا يعود منها حياً، سوى من تقطعت أوصاله.

أمس الأوّل عادت الجرود وتحديداً “القلمون” لتتحوّل مُجدداً إلى مسرح عمليات بين “جبهة النصرة” من جهة، وبين النظام السوري و”حزب الله” من جهة أخرى، حيث تمكنت “النصرة” خلال هجوم مُباغت بالقرب من بلدة “رنكوس”، من تكبيد “الحلفاء”، خسائر كبيرة في الأرواح بالإضافة إلى أسر عدد من الجنود والعناصر، وهو أمر ترك بلبلة بين جمهور الحزب الذي راح يتساءل عن “الإنتصارات” التي تحقّقت في “القلمون” والجرود والخطابات السابقة التي تحدثت عن وصل الجرود بعضها ببعض، سواء ضمن المسار السوري أو ضمن المسار اللبناني، وتطهيرها بالكامل من الجماعات المسلحة. وأمام هذا العجز الذي تُرجم أيضاً من خلال التفجيرات الإنتحارية في بلدة “القاع” منذ أيّأم، لم يجد سوى “عرسال” ليرمي فشله عليها ويتهمها للمرة الألف ربما، بأنها تؤوي إرهابيين وتنظيمات مُسلحة. وهذا الاتهام يُعيدنا إلى كلام سابق لنصرالله بعد “تحرير” الجرود والذي قال فيه: “إن أكبر تمويل وتموين بالأسلحة والذخائر والمؤن للجماعات المسلحة في الريف الدمشقي وفي الزبداني وأماكن أخرى يحصل عبر عرسال، برغم إجراءات الجيش اللبناني، لكن الآن قد قُطع هذا الطريق”.

يوماً بعد يوم، تزداد الادلّة حول التوريط الإيراني لـ”حزب الله” في الحرب السورية وأن “العصمة” في هذه الحرب غير “المُمتعة”، هي بيد الإيراني وحده وبالتالي ما على الحزب سوى الإنصياع لرغباته ومُخططاته، وهنا تتكشّف الأمور للقاصي والداني بأن الهدف الإيراني من وراء هذه الحرب، يصب أولاً وأخيراً في خدمة تحقيق مشروعه، وهذا ما ظهر خلال اليومين الماضيين على لسان النائب في مجلس الشورى الاسلامي الايراني جواد كريمي قدوسي في تصريح أدلى به لوكالة أنباء “فارس” حيث توقّع “أن يكون الكيان الصهيوني قد وجّه رسالة يبدي فيها إستعداده للتفاوض مع حزب الله لبنان لإبرام صفقة تبادل أسرى صهاينة بيد حزب الله من جانب والديبلوماسيين الايرانيين الأربعة الذين خُطفوا خلال الحرب اللبنانية من جانب آخر”، كاشفاً أن “لدى الحزب أسرى صهاينة على مستوى عال بالإضافة إلى أسرى من فرنسا ودول أوروبية أخرى شاركوا في معارك حلب”. وأكد أن “أمين عام “حزب الله” وعد بأنه سيتابع بنفسه القضية”.

هذا التصريح أو الإعتراف، يُشكّل دليلاً قاطعاً على أن تورّط “حزب الله” في الحرب السورية، لم يكن لا من أجل الطائفة الشيعية في لبنان وحمايتها، ولا من أجل خلق حزام أمن للبنانيين في مواجهة “التكفيريين”، بل كان “تكليفاً شرعياً إيرانياً، مُغلّفاً بشعارات مذهبية تحريضية، يقول بنده الأخير “دماء عناصر حزب الله مرهونة بالمشروع الإيراني وخدمته مهما عظمت المصائب وتكاثرت الأوجاع”.

ويصح القول أن المنطقة كلها وليس لبنان فقط، قد دخلت في أزمة من جرّاء ممارسات “حزب الله” الذي إرتضى لنفسه أن يتحوّل إلى ورقة ضغط بيد الإيراني وبعدما أصبح مصيره مُرتبطاً به مُباشرة وليس بمنظومة دفاعه الصاروخية ولا بالمقاتلين الذين تُهدر دماؤهم بغير وجه حق. ومن يبحث في زوايا السياسة الخارجية الإيرانية وتحديداً في الشق المتعلق بمصالحها التي غالباً ما تأتي على حساب أرواح الغير، ما عليه سوى العودة إلى الزيارة التي قام بها وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف إلى لبنان في آب 2015، حيث الغى يومها زيارته إلى ضريح القيادي في الحزب عماد مغنية وعلامات الإستياء التي كانت بادية على وجه نصرالله خلال اللقاء الذي جمع بينهما.