Site icon IMLebanon

في انتظار كلمة السرّ الخارجية!

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تبلْورت في بيروت أمس ملامح “سرعتين غير متساويتيْن” يسير بهما ملفّ الانتخابات الرئاسية اللبنانية، الأولى محلّية رفعت من وتيرة الاتصالات الرامية الى محاولة فتح “الأقفال” الداخلية في الطريق الى قصر بعبدا، والثانية خارجية لا تزال في طور “الضغط على المكابح” المفرْملة حتى الساعة لأيّ انفراج في الأزمة السياسية – الدستورية التي “تقبض” على البلاد منذ نحو 26 شهراً.

وشكّلت دعوة المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ إلى “حث كل من السعودية وإيران ودعوتهما للاتفاق على حلّ الأزمة السياسية المستعصية في لبنان”، معطوفةً على المعلومات عن ان زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت لبيروت ابتداءً من يوم غد ليست إلا تحت عنوان رفض “إعلان اليأس” او رفْع “الراية البيضاء” في جهود باريس على هذا الصعيد، مؤشريْن بالغيْ الأهمية الى ان “افتح يا سمسم” الرئاسي ما زال يحتاج الى جهودٍ إقليمية بالدرجة الأولى تراعي توازنات النفوذ السعودي – الايراني في “بلاد الأرز” وتلتفّ على الاشتباك بين الرياض وطهران في أكثر من ساحة، بما يسمح بسحب لبنان “من فم” العاصفة في المنطقة، وإلا ترْكه “يصارع الريح” بـ “أجنحة متقطّعة” مؤسساتياً وواقع نزوح ضاغط صار بمثابة “قنبلة موقوتة” ديموغرافياً واقتصادياً وأمنياً.

وفي مقابل تقديراتٍ في بيروت أشارت الى مجموعة عناصر باتت تشجّع طهران على إتاحة وضْع المفتاح في “القفل” الرئاسي وبينها ما يرتبط بحسابات ما بعد مجيء إدارة اميركية جديدة في نوفمبر المقبل والتخوّف من تحولات في الميدان السوري، فإن مناخاً آخر عبّرت عنه أوساط سياسية ويعتبر ان طهران، التي تستلهم في السياسة أسلوب “حياكة السجاد الايراني” حيث الصبر والدقة، ليست في وارد “حرق المراحل” او استعجال حلول ما لم تكن تحقّق لحلفائها في لبنان لا سيما “حزب الله” ما يضمن له “إقامة مريحة وآمنة” في العهد الجديد وبـ “شروط مساكنةٍ” تراعي هدفيْن: الاول ان تحفظ له “حق الوصاية” على القرارت وآلية اتخاذها داخل الحكومة. والثاني ان تتيح له ايضاً استيلاد برلمان بتوازناتٍ تجعل لعبة السلطة محكومة بـ “القواعد الذهبية” التي يريدها لا سيما لجهة “التأمين” على خياراته الاستراتيجية في ما خص تموْضع لبنان الاقليمي وحتى “مرحلة ما بعد بعد النفط” وبدء تسييله واستثماره، وكل ذلك تحت عنوان ان “أول الخروج من النفق شروطنا وآخره بلوغ أزمة نظام قد تطيح به برمّته”.

وفي السياق نفسه ترى الأوساط السياسية، ان السعودية وجّهت رسالة مباشرة من خلال استقبالها رئيس الحكومة تمام سلام والرئيس سعد الحريري (التقاه الملك سلمان بن عبد العزيز) بأنها استعادت إحاطتها بالواقع اللبناني وانها ليست في وارد التخلي عنه وترْكه ينزلق بالكامل الى أحضان ايران، ولا السماح بانكسار خط الاعتدال الذي يمثّله في شكل لا لبس فيه الرئيس الحريري.

واستشهدتْ الأوساط نفسها بكلام كاغ خلال الاحاطة التي قدمتها الى مجلس الأمن الدولي وفي مؤتمرها الصحافي في نيويورك وحملت عرضاً معبّراً بدقة عن الواقع اللبناني ومرتكزات الحلول له. وبرز في هذا السياق خصوصاً ما كشفته عن انها طلبت من مجلس الأمن “المساعدة في أن تعمل كل من الرياض وطهران، من أجل إيجاد حل للأزمة السياسية في لبنان”، محذرة من “تآكل المؤسسات فيه”، مشيرةً إلى أنه “سبق أن دعوت هاتين الدولتين إلى ذلك، وأعتقد أن بعض الدول الأعضاء بالمجلس بدأت في الحديث مع طهران والرياض في هذا الصدد، كما أنني على اتصال بالدولتين لتحقيق هذا الهدف”.

ولاقى ما أعلنته كاغ التقارير التي أشارت الى ان وزير الخارجية الفرنسي يزور بيروت غداً وبعده من دون ان يكون حاملاً في جعبته اي مبادرة جدية للحلّ في لبنان، بل ان محطّته التي ستشمل لقاءات رسمية وسياسية لا تستثني “حزب الله” وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ستكون مثقلة بخلاصات ما سمعته باريس خلال اللقاءات التي عقدها فيها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف قبل نحو ثلاثة أسابيع لا سيما لجهة رمي كرة عدم حصول انفراج رئاسي بغياب الإجماع المسيحي، وحتى بعدم اتضاح الأفق في الحرب السورية.

وبات معلوماً ان ايرولت سيتناول في بيروت ثلاثة عناوين في شكل رئيسي هي الازمة الرئاسية وملف النازحين السوريين وخطر الإرهاب وسبل تعزيز الدعم للأجهزة الأمنية، الى جانب قانون العقوبات المالية الاميركية على “حزب الله” والذي وضع مصارف لبنان امام تحدٍّ غير مسبوق داخلياً وخارجياً، مع التشديد على استمرار الاحتضان الفرنسي للبنان ودعم القطاع المصرفي باعتباره “صمام الأمان” لـ “الأمن المالي والاجتماعي”.

ويترافق وصول ايرولت مع الكشف عن تقرير الذي وضعه 5 نواب فرنسيين في الجمعية العامة وعكس القلق الذي ينتاب باريس من مآل الاوضاع في لبنان، في ضوء مجموعة عوامل، في مقدمها الفراغ الرئاسي وتعطل أو تدني عمل المؤسسات الدستورية الاخرى والنازحون السوريون والاستقرار الأمني الهش. كما يرسم ما يمكن ان يكون عليه الدور الفرنسي في لبنان.

وكشفت احدى الصحف اللبنانية، ان هذا التقرير وُضع في ضوء قرار الجمعية العامة تشكيل بعثة تقصي حقائق في 4 اذار 2015، مهمتها جمع المعلومات حول تطور الأوضاع في لبنان وانه حصيلة عشرات الاجتماعات التي عقدتها اللجنة في بيروت وباريس مع مسؤولين رسميين فرنسيين ولبنانيين ومع باحثين سياسيين وشخصيات عسكرية وأمنية ومالية واقتصادية وديبلوماسية وأكاديمية، بينها لقاء مع رئيس كتلة نواب “حزب الله” محمد رعد.

ومن أبرز خلاصات التقرير ان “التعطيل الراهن السياسي والمؤسسي في لبنان مرتبط ارتباطا وثيقا بالوضع الاقليمي، من استمرار الأزمة في سورية الى تصاعد التوتر بين إيران والمملكة العربية السعودية الذي لا يساعد الجهات اللبنانية على إيجاد أرضية مشتركة”، من دون ان يُسقِط احتمال “ان حزب الله ينظم تعطيلا عميقا ومتينا للمؤسسات الدستورية اللبنانية بغية فرض مراجعة لاتفاق الطائف، على قاعدة المثالثة بدل المناصفة”.