كتب رولان خاطر
لمن هذا الوطن… وطنٌ صار كلّ شيء فيه عفن… يموت من أجله الشهداء فتنتصر المذاهب والطوائف والملل.
عندما بدأنا ببناء طوائفنا انهدم الوطن! عندما صودر قرارُ دولتنا سقط الوطن ومعه الجمهورية!
نظرية التشيّع، وكينونة التوسّع، والحلم الإمبراطوري، وثنائية الدويلة والدولة، واستعباد الإنسان، وتمجيد العصيان، ومحاولات محو الهوية والثقافة والإرث المجيد للبنيان، يُسقطون المفهوم السياسي والبعد اللاهوتي لنظرية الكيان.
وطنُنا وطنٌ بأوطانٍ كثيرة. مُرُّه أنّ نظامَه تحكمه ديانات، ودستوره “تبغيه” عقائد، وحريّتُه تحاصرها إيديولوجيات، تبدأ من شوارع نيويورك وصولا إلى طهران. فعلى مرّ التاريخ، لم يهدأ بالُ هذا الوطن، لم يخرج محتلّ إلا ليعود آخر. هو فعلاً وطنُ القداسة والرسالة أم وطن اللعنات، أم هي لعنةُ وطن؟
أيُعقل أن ريّ عطش القداسة لا يكون إلا بمزيد من الدماء؟ أيعقل أن الرسالة لا تقوم إلا على تقديم المزيد والمزيد من الشهداء؟ هي بالتأكيد لعنةُ وطن.
فمن يتحمّل مسؤولية هذه اللعنة؟
منذ التأسيس، نحن الموارنة، نحمل همّ هذا الوطن، ونرفض أن نكون همّا عليه. هناك من سمعوا أن الوطن غال… فباعوه. وهناك من قدّروا قيمته فقرروا أن يستعيدوه، في كل مرة من حضن غريب، عربياً كان أم غربياً ام فارسياً ام هندوسياً أم…!!!
فاز مقاماً لدى الدول. بلغ التقديس أوجه. الحريّة فيه لم تنزع “الأحمر” يوماً. الشهداء وافوا التراب، بينما المسؤولون فيه، باتوا كتّاب صفقات، ديانتُهم المال، ظَفَرهم السلطة.
اكثريةُ مسؤوليه شرّعوا نهب المال العام وأرواح الفقراء. يبنون من قهرنا وأحلامنا قصوراً، ويستغلّون وفاءنا وإيماننا ليصنعوا تيجاناً على مرّ العصور. هؤلاء يجب ان يكونوا تحت التراب، يشاركوا الدود، في القبور.
حكّام لبنان أذناب، إمّا لإيران وإما للسعودية وإما للغرب. أذناب تنهش الأمّة وتخربّ الكيان، وتضعضع أسس البناء. حكّام مقيتون، منبوذون، متسوّلون على أبواب أمراء العرب، وفي بلاط الفرس، وتحت أقدام الديموقراطية الغربية.
“دود الخل منّو وفيه”… هكذا يمكن تشخيص الوضع في لبنان من “زمان”.
المعركة اليوم مع بعض الداخل. هم أعداء لبنان. عقيدة “حزب الله” ضد لبنان. أفكار “حزب الله” مؤذية للبنان. كل حلفاء “حزب الله” يزرعون السمّ في جسد لبنان. هؤلاء هم فئران السفينة الذين يمنعونها أن ترسو على بحر الأمان.
نعم، المعركة مع بعض الداخل. فالابتعاد عن الاعتدال السّني، وابتعاد بعض السنّة عن ثوابت الاعتدال، خطرٌ على لبنان. حيادُ بعض السّنة عن ثوابت 14 آذار وثورة الأرز و”لبنان اولا”، واعتماد الذاكرة الاستنسابية تشكل خوفاً على لبنان.
التلّون الدرزي وفق مقتضيات المرحلة وظروفها، يضرّ بلبنان. الانقسام في البيت المسيحي وضياع الكنيسة والرعية ضرب بالعمق لمستقبل لبنان.
أحزاب تذبح بعضها بكل شوارع الوطن. كل واحد يمتلك الحقيقة، وحقيقته هي “الصحّ” المطلق. كلُّ حزب يمتلك إيديولوجية، وفكراً، ومشروعاً تأسيسياً. ما عدا الوطن، لا يملك شيئاً. “بردان”، فقير، “غلطان”.
وطن، رغم كل نكراننا له، يلمّنا ويأوينا ويمنحنا هويته واسمَه كي لا نكون أيتاماً أمام أعين العالم وأمم الإنسان.
نحن نريد أن نكون مع الوطن، أن نكون ثيابه، وعكازته، و”صرمايته”. لأن لبنان سيّدُنا، ومَلكُنا. ترابُ أمهاتنا وأطفالنا فيه. تراب آبائنا واجدادنا فيه. لن نيأس… سنربط أحلام ملايين الشهداء بعضها ببعض، ونصنع منها أشرعة لهذه السفينة التي يريدون إغراقها، لأنه اذا غرقت هذه السفينة سنغرق كلنا، ولن يخلص أحد.
سنجعل بخور الشهداء، يعبق في كلّ بند من بنود الدستور، وفي أيّ قانون، وأيّ نظام يطمح أحدٌ أن يؤسّسه لهذا البلد. فلبنان، هو عاصمةُ الموارنة، ومن جسم الموارنة يتجسّم.
التاريخ كُتب، والحاضر يُكتب الآن، لكنّ المستقبل ما زال صفحة بيضاء، سيكتبه كلُّ حرّ، ولو امتلأت شوارع بيروت، وزحلة، والجبل، وطرابلس، ورميش، بأنهار من الدماء وبتهديدات على قدر بركان.
لبنان الجديد سيكون لبنان، مصطفى جحا، وجبران تويني، والمفتي حسن خالد، والامام موسى الصدر. لبنان الأب ميشال حايك، ومار نصرالله بطرس صفير.
لبنان الجديد، يجب ان يكون دولة لا دويلة. جيش واحد لا جيوش. نظام واحد لا انظمة. دستور واحد لا دساتير. لغة واحدة، هي لغة العودة إلى الجذور، وخطاب واحد، هو خطاب انتفاضة الاستقلال وثورة الأرز، إذا أردنا أن يكون لبنان لنا، وليس للآخرين.
نريد ورد الدولة أن يُزهر… سنابل المجد أن تضحك… عيون أمهاتنا أن تفرح… قلب عائلاتنا أن يطمئن… سقوف حريّتنا أن ترتفع…
نريد أطفالنا يلعبون… آباءنا يبنون… أمهاتنا يربّين…
نريد لبنان السلام وغصن الزيتون…