كيف ماتت الطفلة سيلين راكان؟
سؤال لا يزال جوابه مبهماً برغم مرور سنتين على الفاجعة. ووسط تضارب الروايات حول مقتلها، تصرّ العائلة على اتهام العاملة الآثيوبية «بوزاي» بارتكاب الجريمة التي قضت على حياة ابنة السنوات الأربع.
لم تجفّ دموع بوزاي أثناء استجوابها من قبل القاضية هيلانة اسكندر في محكمة الجنايات في بيروت أمس. نظرت الشابة في العيون الشاخصة نحوها، ورددت بصوت مرتجف: «أنا ما قتلت حدا». حاولت جاهدةً الردّ على أسئلة القاضية والتماسك أمام سخرية والد الطفلة ياسر ركان وتهكمه. سعت إلى استجماع ثقتها بنفسها، إلا أن التناقضات بين الأجوبة التي أدلت بها أمس وإفاداتها السابقة بدت واضحة. وتضاعفت معاناتها مع صعوبة فهمها لأسئلة القاضية، ما دفع بالأخيرة إلى الإستعانة بالمترجم.
أنكرت العاملة أنها قتلت الطفلة، بالرغم من أنها سبق واعترفت بذلك خلال التحقيقات الأولية، مشيرةً إلى أن صاحب العمل هددها. كما ادعت بأنه أرسل إليها في مخفر البرج حيث أوقفت بدايةً، شابة لبنانية تعاطت المخدرات، لكي تبلغها بما يجب عليها أن تقوله خلال الاستجواب. إلا أن القاضية اسكندر أكدت أنه «تبيّن بعد التدقيق أنه في الفترة التي أوقفت فيها بوزاي داخل المخفر لم يكن هناك أي موقوفة لبنانية، بل موقوفتان من الجنسية البنغلادشية»، موضحةً أنه «عندما تم نقلها إلى مكتب حماية الآداب لم يكن فيه أي موقوفة بتهمة تعاطي المخدرات، بل موقوفات بتهمة ممارسة أو تسهيل الدعارة».
وبينما أكدت العاملة أن راكان اتصل بها قبيل ساعات من وفاة الطفلة للتأكد إن عادت زوجته إلى المنزل، نفت القاضية كلامها بالعودة إلى داتا الاتصالات التي سُحبت من هاتف راكان. وتبيّن أنه لم يتصل بهاتف منزله طيلة اليوم، بل إن «بوزاي» هي من اتصلت به عند الساعة الواحدة ظهراً مبلغةً إياه بما حدث لطفلته.
واتهمت العاملة صاحب المنزل بأنه على علاقة بامرأة أخرى غير زوجته ولديه طفلة منها، كاشفةً في الوقت نفسه، أنه كان يرغمها على خلع ملابسها عند خروج زوجته من المنزل. لكن راكان واجه تلك التهم بالكثير من الاستهزاء والفوقية، قائلاً: «أنا بشلحك تيابك؟ ليش أنا بطّلع فيكي». وعندما ذكرت العاملة أنها وجدت صورة لطفلة راكان من زوجته الثانية فوق جثة سيلين، ردّ قائلاً: «شو هالخرافات هيدي». على الأثر وقع تلاسن بين راكان والمحامية وكيلة «بوزاي»، حسناء عبد الملا، رفضاً للإهانات التي تعرضت لها موكلتها.
ومع انتقال القاضية إلى استجواب راكان، تحولت قاعة المحكمة إلى «صالة سينما». قفز المدعي من مكانه وبين يديه جهاز الـ «آي باد». أشار بإصبعه نحو العاملة قائلاً: «لم أشكّ للحظة بأنها الفاعلة، لكنني قطعت الشكّ باليقين يوم راجعت أشرطة الفيديو التي وثّقتها كاميرات المراقبة داخل المنزل».
عرض راكان ما بحوزته على القاضية التي أشارت على العاملة بالاقتراب لمعاينة المشاهد. أصرّ أنها خنقت سيلين بيديّها وأدخلت في فمها قطعة قماش مبللةً بالمياه. نفت «بوزاي» ذلك، مشيرةً إلى أنها كانت تحاول التأكد إن كانت سيلين لا تزال على قيد الحياة، واستعانت بالقماش لرش الماء على وجهها ومساعدتها على استعادة وعيها.
واستجوبت القاضية والدة الطفلة سحر نحلة، وطبيبها المعاين منذر الزين (وهو قريب الوالدة سحر)، وشاهد الحق العام المؤهل أول علي شحادة الذي كان حاضراً في منزل الضحية يوم اكتشاف الجريمة. أكدت سحر والطبيب ما جاء على لسان راكان، في حين نفى شحادة ما أدلى به المدعي عن اعتراف بوزاي بقتل سيلين في المنزل، قائلاً: «نحن لم نتحدث معها، بل كان همّنا الأساسي إخراجها من المنزل بعدما تهجم عليها أفراد من العائلة».
وضع سيلين الصحي كان مستقراً.. غير مستقر؟
بحسب رواية الأهل، خضعت سيلين قبل وفاتها لعمليتين جراحيتين. الأولى، في فمها (معالجة تسوّس الأسنان) والثانية، استئصال «لحميّة» في أنفها كانت تُعيق عملية التنفس لديها. وكانت تُعاني من ارتفاع في الحرارة وتقيؤ في بعض الأحيان. أما قبل وفاتها، فخضعت سيلين لتلقيح ساءت حالتها الصحية على أثره. وهو ما دفع بالأهل في بداية الأمر إلى ترجيح فرضية وفاتها بلقاح سام. إلا أن معاينة الطفلة بعد الحادث والكشف على اللقاحات من قبل وزارة الصحة جعلا من تلك الفكرة فرضية خاطئة.
وفور الكشف على الفيديو الذي تظهر فيه بوزاي وسيلين وحدهما في المنزل، سارع الأهل إلى اتهامها متسلحين به كدليل.
على أثر تلك الأسئلة، قررت القاضية اسكندر رفع الجلسة وجلب كل من ناطور المبنى حيث منزل العائلة علي طوياشي، والطبيبين اللذين عاينا الطفلة يوم فارقت الحياة ماريان الحاج وأحمد المقداد للاستماع إليهم.