كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
كما لم تسلم بلدة شبعا الجنوبية في الحرب، فهي أيضاً لم تسلم في السلم. وكما يُقال “في كل عرس لها قرص”، لكن يبدو أن قرصها هذه المرّة كان مريراً يُشبه طعم العلقم، والجهة التي تُصرّ على وضع هذه البلدة في موضع تشكيك دائم، يُفترض أنها من الطينة نفسها، ذاقت هي أيضاً طعم مرارة الظلم في زمن الإحتلال الإسرائيلي لقرى الجنوب كافة.
بعدما قضى إبن بلدة شبعا المسعف في الصليب الاحمر اللبناني شاكر ماضي تسعة عشر عاماً منذ خمسة أيام في حادث سير، عادت صرخات الأهالي لتطالب بفتح مستشفى الشيخ زايد في شبعا الذي انتهى العمل فيه منذ أربع سنوات تقريباً لكن من دون أن يتمكن من فتح أبوابه لاستقبال المرضى لأسباب أقل ما يُقال فيها، أنه من غير المسموح على أبناء قرى العرقوب أن يكون لهم مشفىً خاص بهم يتلقّون فيه العلاج كي لا يكون مصيرهم الموت على الطرقات كما حصل مع الشاب ماضي الذي نزف حتى الموت، خصوصاً أن أقرب مركز إستشفائي لهم، يبعد عنهم مسافة عشرين كيلومتراً.
في وقت يتردد فيه أن الأسباب التي تحول دون إفتتاح مستشفى الشيخ زايد في شبعا، سياسية محض، وبأنها تعود لعدم وجود توافق سياسي حتى اللحظة على الأسماء التي منها سيتألف مجلس الإدارة، يؤكد أبناء شبعا وقرى العرقوب، أن المانع الوحيد هو لدى “حزب الله” الذي يرفض هذا الامر خشية أن تتحوّل المستشفى إلى مسشفى ميداني يستفيد منه أطراف في المعارضة السورية المسلحة المتواجدة عند أطراف شبعا الحدودية وتحديداً في بلدة “بيت جن” السورية المُحاذية للبلدة. ويؤكد أبناء شبعا، أن المنع هذا، يقع في سياق معاقبة “حزب الله” للبلدة كونها أوّل من استقبل النازحين السوريين وعملت على إيوائهم من بطش النظام السوري وبراميله المتفجرة التي كانت وما زالت تُسمع أصواتها من خلف الجبال.
ناشطون سياسيون وشخصيات من المجتمع المدني في شبعا والعرقوب، تداعوا إلى يوم اعتصام عند الساعة الحادية عشرة صباح الأحد المُقبل للمطالبة بفتح المستشفى الذي بدأ العمل فيه بعد فترة من حرب تموز العام 2006 والذي تكفلت ببنائه دولة الإمارات العربية وبمصاريف التجهيزات كافة، وذلك ضمن “المشروع الإماراتي لدعم وإعمار لبنان”، وهو يحوي أحدث الأجهزة الطبية وتتوزع أقسامه على: الطوارئ، قسم العناية المركزة، وتصوير الأشعة والمختبرات الطبية، قسم العمليات، التعقيم، قسم العيادات الخارجية، قسم غسيل الكلى، المشرحة، التنظير، قسم العلاج الفيزيائي، الصيدلية، الجراحة، العناية المركزة للأطفال، الطب الداخلي، قسم الولادة. ويضم ستين سريراً وكلفته نحو ثلاثين مليون دولار، ويستفيد منه في حال تشغيله خمسون ألف نسمة من شبعا ومنطقة العرقوب. وهنا يوضح الدكتور علي الخطيب، أحد وجهاء بلدة شبعا، أن تأخير العمل في المستشفى، يعود إلى تدخلات سياسية بهدف الهيمنة على مجلس الإدارة، قبل تعيينه”، متمنياً على وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور وممثل المنطقة في مجلس النواب، “أن يحل المشاكل العالقة، وأن يُفتتح المستشفى في عهده”.
في شبعا يتساءل الأهالي عن الضير في معالجة النازحين السوريين في المستشفى فيما لو تم افتتاحه؟. أمّا عن إتهامات “حزب الله” بأن المشفى سوف يستقبل جرحى من المعارضة السورية، فهذا الامر يُحيله أبناء شبعا إلى الجيش اللبناني الذي يُغلق المنافذ والمعابر ولا يسمح على الإطلاق بعبور من ليست لديهم أوراق ثبوتية.
من جهتها، أكدت كتلة “المستقبل” النيابية أمس الأوّل “خطورة استمرار الاقفال القسري لمستشفى الشيخ خليفة بن زايد في شبعا، والذي كانت الامارات قد أنشأته في جنوب لبنان”، معتبرة أن “منع افتتاح هذا المستشفى رغم جهوزيته من قبل حزب الله، يعتبر جريمة في حق المواطنين الجنوبيين وفي حق الدولة اللبنانية”.مطالبة كتلة “المستقبل” بفتح المُستشفى وضرورة تحرك المعنيين لأجل هذا الهدف، يزيد عليها رئيس اتحاد بلديات “العرقوب” محمد صعب بالقول: “إنّ الفرق بين التحركات السابقة والتحرك الحالي الذي يدعونا اليه، هو الحادث الذي تعرض له المسعف ماضي والأثر الذي تركه لدى الأهالي لا سيما وأنّه لو كان هناك مستشفى في المنطقة لربما كان الشاب قد عولج وشفي”، مؤكداً أن “هذه الحادثة كان لها صداها وكانت الدعوة من قبل الأهالي إلى التحرك، إلا أنّه منذ مدة ونحن نحرّك هذا الملف واليوم أصبحت هناك مطالبة أكبر وتحرّك أوسع”.
استهداف شبعا إنمائياً، كان سبقه استهداف أمني يوم روّج إعلام “المُمانعة” لتقارير تحدثت عن حشود عسكرية لفصائل المعارضة السورية في المنطقة الحدودية مع اسرائيل. ويومها تحدث الإعلام نفسه عن عبور مُقاتلين باتجاه شبعا وبعض مناطق العرقوب. لكن وسط هذه الفبركات والإتهامات المتكررة، يُمكن لزائر بلدة شبعا أن يُفاجأ بحجم المُعاناة والمأساة التي يعيشها النازخون من جوع وحرمان، وهم الذين ينتظرون شهريّاً، الإعانات التي تقدمها مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، من دون نسيان الدور الذي يقوم به الجيش اللبناني والذي وزّع حواجزه على المعابر كافة وتحديداً عند معبري الرشّاحة وعين السودا المتاخمين لجبل الشيخ. كما وأن مخابرات الجيش وحدها مكلّفة بتفتيش العابرين بشكل دقيق قبل التحقيق معهم لتعود وتسلمهم بعدها إلى بلدية شبعا بعد أن تملأ لهم إستمارات مفصّلة.
في المحصلة، فإن افتتاح المُستشفى في شبعا، هو مطلب لا رجعة عنه بالنسبة إلى الأهالي، فهذا مطلب شرعي لهم لكي لا يموت شاكر ماضي آخر نتيجة الحرمان. أمّا الإتهامات التي تطال البلدة من وقت إلى آخر، فان هذا الامر يُحيله الأهالي إلى الجيش اللبناني الذي يُمسك بالمعابر الحدودية للبلدة ومُحيطها. وبرأيهم أن الجهة التي تفقد الثقة بجيشها، هي موضع شبهة واتهام.