كتبت ربى كبّارة في صحيفة “المستقبل”:
تمدّدت شعبية “حزب الله” العربية في اعقاب انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، وتكرست باعتباره حزبا لبنانيا مقاوما مع صموده في وجه عدوانها صيف 2006. لكن عقدا واحداً من الزمن كان كافيا لتحوله، بنظر الجماهير والانظمة، الى مجرد تنظيم مذهبي ينفذ اجندة ايرانية عبر قتاله الشعوب العربية من سوريا الى العراق واليمن على الاقل.
ففي عام 2000 انتشرت صور امينه العام حسن نصرالله وارتفعت بيارقه في العواصم العربية خصوصا وان انسحاب اسرائيل هو الاول من ارض عربية من دون معاهدة سلام او فرض شروط. وفي صيف 2006 أمّن له صموده في مواجهة العدوان الاسرائيلي التدميري تكريسا جديدا لشعبيته العربية رغم تفرده بقرار خطف جنديين اسرائيليين بما استدعى العدوان الذي دفع لبنان ثمنه اكثر من 1200 ضحية وخسائر مادية بمليارات الدولارات والذي دفع بنصرالله الى قول عبارته الشهيرة “لو كنت اعلم”. فبغض النظر عن اعتبار غالبية اللبنانيين والعرب خطوة الاختطاف “مغامرة”، خاضت الحكومة اللبنانية حينها مواجهات ديبلوماسية عاصفة لفرض وقف اطلاق النار، فيما تناوبت الدول الخليجية خصوصا، من السعودية الى قطر والامارات، على تمويل اعادة اعمار ما تهدم في قرى الجنوب اولاً، والجميع يذكر لافتات الشكر التي ارتفعت في طرقات معقله في ضاحية بيروت الجنوبية.
لكن ايران غيرت وجهة السلاح الذي مولت وجوده واستمراره. اول المتغيرات كان تحول السلاح الى الداخل في ايار 2008 ليفرض عبره، وعبر وهج استخدامه الذي لم يخبُ بعد، الامساك ببعض مفاصل الدولة وصولا الى تعطيله منذ عامين، بغض النظر عن ذرائعه، انتخاب رئيس للجمهورية وربط انهاء الشغور الرئاسي بسيطرته على كل المفاصل وصولا الى تسمية رئيس الحكومة وبيانها الوزاري وو….
كان لهذا التحول صدى سلبي في الشارع العربي الذي بدأ يتطلع الى الحزب “المقاوم” نظرة نقدية وفق سياسي سيادي لبناني.
ومع الاعلان جهارا عن تورطه في الحرب السورية الى جانب بشار الاسد عام 2013 تحول “حزب الله” الى “قاتل للشعب السوري” وفق المصدر نفسه، الذي يذكر بتباهي نصرالله بمشاركته وتدريباته لعراقيين من مذهبه او للحوثيين في اليمن بذريعة قتال “الارهاب التكفيري”. وما تحميله السعودية اساسا مسؤولية نمو هذا الارهاب إلا محاولة عبثية للتعمية على المخطط الايراني باستخدام الشيعة العرب وسائل لزعزعة استقرار دولهم.
وفي مقارنة بين ما كان عليه “حزب الله” عام 2006 من احتضان محلي وعربي، رغم الانتقادات لاستدراجه العدوان، وما اضحى عليه عام 2016، يتبين انه تحول الى تنظيم “معزول” محليا ودوليا. فقد تم تصنيفه “ارهابيا” بنظر الولايات المتحدة التي احكمت طوق العقوبات المالية حول عنقه، وكذلك بالنسبة لاوروبا وان فصلت بين جناحه السياسي والعسكري، وكذلك بنظر جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة الدول الاسلامية. يضاف الى هذا اتهام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان خمسة من كبار محازبيه بالتورط في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كما تضاف خسائره البشرية في سوريا التي تناهز الألف قتيل في اقل تقدير.
اما عن اغتيال العديد من كبار كوادره على ارض سوريا فيحمل مسؤوليته لاسرائيل من دون ان ينتقم لهم الا بعمليات تذكيرية، فيما بقيت من دون ردّ غارات الدولة العبرية على شحنات اسلحة يستقدمها من سوريا . اما في مواجهة اسرائيل فهو ينعم بهدوء تام بفضل التزامه مندرجات القرار 1701 . وهذا القرار الذي انهى حرب تموز 2006 بفضل جهود حكومة فؤاد السنيورة حينها هو الانتصار الحقيقي للبنان. ويشكل مطلب تمددّ مفاعليه الى الحدود الشرقية المخرج الوحيد لإقفال الحدود مع سوريا بالاتجاهين.
في العام 2006 اعتبر “حزب الله” ان اختطافه الجنديين الاسرائيليين شكل مجرد عملية “استباقية” اجبرت اسرائيل على الاسراع في شن عدوان واسع كانت تخطط اصلا للقيام به. وحاليا يعتبر ان مساندته العسكرية نظام بشار الاسد في قتاله الشعب السوري مجرد حرب “استباقية” للحؤول دون تمدد “الارهاب التكفيري” الى لبنان، رغم كل المؤشرات التي تدل على ان قتاله الى جانب نظام الاسد لم يمنع هذا التمدد ان لم نقل انه استجلبه.