كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
مقدار ما تتبخر يوماً بعد آخر توقعات انتخاب رئيس للجمهورية في مدى قريب، تتنامى يوماً بعد آخر آمال في طول عمر حكومة الرئيس تمام سلام الى مدى طويل. يريدها الخارج مقدار عدم استعجاله الاستحقاق.
لم يشهد شغور 1988ــــ 1989 على امتداد 13 شهراً و13 يوماً انعقاد جلسة لمجلس النواب لانتخاب الرئيس على اثر انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل، بينما شهد شغور 2007 ــــ 2008 طوال ستة اشهر 19 جلسة للمجلس انتخب الرئيس في الجلسة 20.
البارحة عبرت الجلسة 42 للمجلس بانقضاء سنتين واقل من ثلاثة اشهر على شغور بدأ عام 2014، ومرّ بعام 2015، ولا احد يعرف اين ينتهي؟
لم يعد المسؤولون يترددون في القول ان انتخاب الرئيس ليس في ايديهم، ولا في ايدي اي من افرقاء الداخل. لا يترددون في القول جهاراً انه في عهدة الرياض وطهران.
كذلك يفعل الوسطاء الغربيون على غرار جهود واشنطن وباريس والامم المتحدة المعنيين العلنيين. لا عاصمة عربية تبدو معنية بانتخاب الرئيس، على الاقل شأن ما حصل في شغور 1988 مع الرياض ومن ثمّ مع لجنة ثلاثية عليا منبثقة من قمة عربية، وما حصل في شغور 2007 مع مصر والجامعة العربية والرياض انتهاء بالدوحة. لا يسمع المسؤولون اللبنانيون في تحركاتهم في الخارج سوى نصائح بملء الشغور، من دون الخوض في سبل الوصول اليه، في ظل انقسام داخلي واحتدام نزاعات اقليمية.
على اهمية ما استخلصه رئيس الحكومة تمام سلام من زيارته الاخيرة للمملكة السعودية في 5 تموز، ولقائه الملك سلمان بن عبد العزيز، لم تفصح ثمارها سوى عن الطريقة نفسها التي يعامل بها الغرب لبنان، بالتركيز على دعم حكومة سلام ومساعدتها على الاستمرار، ومنعها من الاستقالة اياً تكن الدوافع، على انها الواجهة الوحيدة للشرعية الدستورية في لبنان في ظل غياب رئيس للجمهورية.
كلام مماثل، في سياق موازٍ مختلف، يقال لقائد الجيش العماد جان قهوجي في اثناء زياراته دولا عربية واخرى غربية، مزدوج المطلب: حافظ على الاستقرار وحافظ على الجيش.
لا احد في الخارج يتحدث عن انهاء الشغور مقدار التمسك بصمود الحكومة الحالية الى حين اوان انتخاب الرئيس. ذلك ما عنته ايضاً زيارة سلام للمملكة، اذ لمس اهتماماً مغايراً به وباستمرار حكومته ودعمها. كان قد ابلغ الى السفارة في بيروت عزمه على التوجه الى هناك لاداء العمرة، فتبلغ في ساعات انه سيستقبل بحفاوة وبمظاهر التكريم ويجتمع بالملك، ألحقت بمشاركته اياه في الصلاة.
لسبعة اشهر انقضت، اخفق في الحصول على موعد لزيارة رسمية للرياض على اثر غضب المملكة من سكوت الحكومة عن الحملة التي شنّها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على السعودية والصق بها شتى النعوت. لم يسعَ مجلس الوزراء سوى انكار علاقته بالحملة تلك ورفضها، وتأكيد الاصرار على العلاقة الودية بالسعودية. الا ان الردود اللبنانية تلك لم تكن كافية.
في حصيلة زيارة سلام الذي يحلو له وصفها بأنها «كسرت الجليد»، تعبيراً عن استعادة حكومته حرارة العلاقة بالمملكة، كانت ثمة اشارتان مباشرتان من الملك من شأنهما ترجمة موقف الرياض من الوضع اللبناني في المرحلة القريبة، من دون ان يؤتى على ذكر الاستحقاق. لم يفاتح اي من العاهل السعودي ورئيس الحكومة اللبنانية الآخر فيه، ولم يمر ــــ وإن عابراً ــــ في احاديثهما.
كمنت الاشارة الاولى في قول الملك لسلام في الافطار العام الموسع: لن نتخلى عنكم.
وهي عنت مدّ حكومته بمزيد من التأييد ودعم استمرارها.
على ان الاشارة الثانية خصت الرئيس سعد الحريري، الذي حضر الافطار، بموقف عكس تقديراً مغايراً تماماً لكل ما شاع عن تردي علاقته بالسعودية، كان احد ملامحه الصعوبات المالية التي يواجهها من دون ان تنجده، والانهيار الذي تواجهه شركاته هناك، ناهيك بالاهمال الذي اظهره تعاملها معه في الاشهر المنصرمة على نحو حمله على الاستقرار في بيروت، وبدا انه يختبر للمرة الاولى ما لم يُمتحن فيه والده الرئيس رفيق الحريري حينما حاذر الوقوع في تقاطع تناقض الخلافات ووجهات النظر والاجنحة في العائلة الحاكمة، فاذا الحريري الابن يبصر نفسه عند التقاطع الملتبس داخل العائلة، بين ولي العهد وولي ولي العهد.
لم يتردد سلام في اضافة جرعة دعم قوية لسلفه علناً، بتأكيده انه هو الذي يتنكب الطائفة في لبنان ورجالاتها، في معرض الايحاء بأن الحريري لا يزال عمودها الفقري في شؤونها ومشكلاتها واستقرارها، كما في صلب المعادلة السياسية الوطنية، ما حمل الملك على القول له: انه إبننا.
لم يكن في وسع رئيس الحكومة العودة من هناك بأسباب ايجابية تشعره بأن الاستحقاق الرئاسي وشيك، وسهل بالقدر الذي يتصوّره الذي يكتفون بالتعويل على موقف الرياض وحدها لحسمه. بل يبدو عالقاً عند جملة مفيدة بسيطة، لا تحتاج الى تفسير واجتهاد، وتقتصر على شخص واحد هو فحوى تعذّر انتخاب رئيس الجمهورية: تتحفظ الرياض عن الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية مرشحاً وحيداً منتخباً من دون ان تقف في طريق انتخاب سواه، بينما تتمسك به ايران مرشحاً منتخباً وحيداً انسجاماً مع موقف حزب الله.