Site icon IMLebanon

بلوكات النفط بحراً… وبلوكات “الشفط” براً!

 

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

الكلام الكثير على فوائد البدء باستثمار النفط في لبنان حالياً لا يُقنع الكثيرين. فهناك خبراء يُحذّرون من سلبيات يصعب تجنّبها وخسائر لا يمكن تعويضها. ولدى هؤلاء مبرِّرات واضحة للمخاوف.الخبراء يعتقدون أنّ الظروف التي يُفتح فيها الملف ليست مناسبة، ويُحدِّدون 3 أخطار تتهدَّد النفط اللبناني، إذا جرى استثماره في الوقت الحاضر. ويمتلك بعض هؤلاء جرأة القول إنّ من الأفضل أن تبقى الثروة النفطية في باطن الأرض ما لم تتوافر الحصانات لمواجهة هذه الأخطار، وهي:

1 – إستغلال إسرائيل للظروف والاستيلاء على جزءٍ من الثروة النفطية في البلوكات البحرية الحدودية. فملف النفط اللبناني يتحرّك اليوم بمسعى من نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوشتاين الذي يعمل لتسوية حدودية بحريّة على طريقة “الخط الأزرق” الموجود في الحدود البرّية، وتقضي بتقاسم البلوكات الجنوبية بين لبنان وإسرائيل، ما يُسهّل عمل الشركات الأميركية التي تتولّى التنقيب في الجانب الإسرائيلي، ويفتح الباب لاستثماراتٍ مماثلة في الجانب اللبناني.

وفي المبدأ، لا غبار على هذا الطرح. لكنّ الجانب اللبناني يخشى أن يكون عنصراً ضعيفاً في مفاوضات الترسيم، ثمّ في التنفيذ. فإسرائيل تمتلك القدرات العسكرية والتكنولوجية التي تتيح لها الإشراف على التنقيب والاستخراج، فيما لا يمتلك لبنان أيّ قدرة في هذا المجال.

وهو لا يضمن أنّ الأمم المتحدة قادرة على الإشراف الدقيق على الحدود بحراً، فيما إسرائيل تخرق اليوم الحدود اللبنانية برّاً وبحراً وجوّاً في حضور “اليونيفيل”. وهذا ما قد يتيح لإسرائيل نهبَ جزءٍ وافرٍ من الثروة النفطية اللبنانية.

ودخول فرنسا المكثّف على الخط اللبناني في الأشهر الأخيرة، والذي تجلّى بزيارة وزير خارجيّتها جان مارك إيرولت، يرمي إلى حجز مقعد لباريس في التسويات وفي الاستثمارات النفطية. فالفرنسيون يُدركون أنّ لبنان يحتاج إلى طرف دولي قوي أقرب إلى مصالحه، فيما الوسيط الأميركي هوشتاين يبدو أقرب إلى الطرح الإسرائيلي.

وإذ يعتقد البعض أنّ الأفضل هو البدء بالبلوكات الداخلية وإبقاء البلوكات الحدودية إلى مرحلة لاحقة، يرى آخرون أنّ من مصلحة لبنان فتح الملف الحدودي سريعاً لئلّا تستفرد إسرائيل بالبلوكات الحدودية. ولكن، هل يستطيع لبنان إجراء مفاوضات متكافئة على الترسيم في غياب الحصانات الدولية الكافية له، أم سيُقْدِم على “دعسة ناقصة” لها أكلافها الباهظة؟

2 – يضغط المجتمع الدولي على لبنان في شكل واضح لتسهيل بقاء نحو مليوني نازح سوري وفلسطيني على أرضه، من دون أيّ أفق للعودة إلى ديارهم. وفي أفضل الحالات، هناك توطين فلسطيني يتكرَّس، فيما السوريون يبقون في لبنان سنوات عدة على الأقل.

وفيما تحوّلت أزمة اللجوء قنبلة عالمية، أبلغت القوى الدولية الكبرى لبنان بضرورة عدم فتح الباب للنازحين لئلّا “يتسرَّبوا” إلى أوروبا. وبقيت الوعود الدولية بتقديم دعمٍ إلى المجتمع اللبناني المضيف مجرَّد حبر على ورق. ويبدو أنّ المجتمع الدولي يريد ابتزازَ لبنان: المال مقابل الرضوخ لشروط التوطين! وهذا ما ظهر واضحاً في تقرير بان كي مون الأخير وزيارته الى لبنان يرافقه رئيس البنك الدولي.

وعندما تنطلق الخطوات التنفيذية في مجال النفط، وحتى قبل التنقيب، وتبدأ الوعود بمليارات الدولارات من خيرات النفط اللبناني، سيقول المجتمع الدولي للمسؤولين اللبنانيين: عندكم المال الكثير. تستطيعون التكفّل بالنازحين سنوات وسنوات. دبِّروا أموركم!

وهكذا، فإنّ هدر جزء من أموال النفط اللبناني- الموعود- على النازحين في شكل مباشر أو غير مباشر، سيكون وارداً، علماً أنّ بلداً آخر مثل تركيا تلقّى المليارات من أوروبا مقابل النازحين. وقد ابتزّ الأتراك الأوروبيين في الملف، وليس العكس.

3 – يواجه ملف النفط اللبناني خطراً يوازي خطر إسرائيل وخطر النازحين. إنّه خطر الفساد اللبناني! ففي ظلّ التركيبة السياسية المنغمسة بغالبيتها في الفضائح، من دون أيّ دور لأجهزة الرقابة والمحاسبة، وفي ظلّ القضاء شبه المعطَّل، مَن يعرف كيف ستُدار أموال النفط؟

هناك فسادٌ معلوم في قطاعات النفايات والكهرباء والتلزيمات على أنواعها، وفي غالبية المؤسسات والإدارات والمصالح والمرافق العامة، ولا مَن يحاسب. فلماذا يَفترض البعض أنّ قطاع النفط لن يكون جزءاً من قالب الفساد الذي يجري اقتطاعه؟

أساساً، الملف عالق في الأدراج انتظاراً للصفقات. وإذا تحرَّك فسيتحرّك بصفقة لا بشيء آخر. وسيكون هدف “طاقم المنتفعين” نهب المال العام من “بلوكات البحر”، بعدما بدأت تضيق به “بلوكات البرّ” أو تنضب!

وأمام هذه الأخطار الثلاثة، يبدو مشروعاً طرح السؤال: هل الأفضل أن يقوم لبنان بإخراج الذهب الأسود إلى الضوء أم بإبقائه في المأمن لتمرّ العواصف، تماماً كما تمّ في الحرب الأهلية صبُّ الباطون على ثروات المتحف الوطني من أجل ضمان بقائها للأجيال؟

فزعماء الميليشيات الذين صنعوا ثرواتهم من ثروات البلد خلال الحرب الأهلية وبعدها، هم أنفسهم يستعدّون اليوم للجولة الجديدة بعدما استولوا على السلطة… وإلى الأبد، وبمباركة الناس الذين يرتضون التصفيق لهم، ولو لم يبقَ في لبنان حجر على حجر أو يبقى “مَن يخبِّر”!