قرأت مصادر سياسية مستقلة، في محصّلة الزيارة الخاطفة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسية جان مارك ايرولت الى بيروت، وبين سطور الكلام الكثير الذي قيل في قصر الصنوبر فالسراي مرورا ببكركي وصولا الى قصر بسترس، حقيقة واحدة: الزائر الفرنسي لم يحمل في جعبته أيّ حل “سحري” أو مخرج يسمح بانجاز الاستحقاق الرئاسي، بل كانت جولته الى حد كبير للنصح والاستطلاع. فهو دعا كل من قابلهم الى لبننة الحلول وفصل الأزمة اللبنانية عن الأزمة السورية خصوصا والتطورات في المنطقة عموما، قبل أن يسألهم عمّا اذا كان التوصل الى تفاهم لبناني – لبناني حول الرئاسة والقضايا العالقة الاخرى، من خلال حوار داخلي ممكنا، بمعزل عن العوامل والتقلبات الاقليمية والخارجية. فلم يأته الجواب الذي كان يرغب سماعه، اذ أحاله فريق 14 آذار الى طهران المسؤولة في رأيه عن تعطيل الاستحقاق في حين أحالته قوى 8 آذار وعلى رأسها “حزب الله” الى الرياض التي تعرقل على حد تعبيره انتخاب الرئيس عبر رفضها وصول رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون الى قصر بعبدا.
رأس “الكي دورسيه” وفق ما تقول المصادر لـ”المركزية”، لم يتفاجأ بواقع عجز القوى السياسية عن قطع حبل السرة الذي يربطها بجهات اقليمية، لكنه ربما توقّع أن تُبدّل التحذيرات التي أطلقها من انتقال النار المشتعلة في المحيط الى لبنان- وقد لفحته أكثر من مرة آخرها في القاع – في المواقف المتصلّبة لا سيما تلك التي تُقاطع جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، فلم يصب في رهانه.
وتلفت المصادر الى ان ايرولت عاد الى بلاده، تماما كما أتى، خالي الوفاض، متوقعة ان يكلّف مدير دائرة افريقيا والشرق الاوسط في الخارجية الفرنسية جيروم بونافون في المرحلة المقبلة التحرك مجددا على خطّ السعودية – ايران، لوضعهما في صورة مباحثاته في بيروت كما كان اتفق مع نظيريه السعودي والإيراني، ولجسّ نبضهما حيال امكانية أن يلعبا دورا مسهّلا للاستحقاق الرئاسي، في ضوء الاجواء التي لمسها في لبنان حيث بدا أن اللبنانيين عاجزون، بمفردهم، عن بلورة صيغة تذلّل عقدَهم السياسية العديدة.
وفي انتظار جولة الاتصالات الفرنسية الجديدة المرتقبة مع الدول المؤثرة في الملف اللبناني، رأت المصادر أن جديدا “وحيدا” برز خلال اقامة ايرولت في لبنان، سُجّل على خط الهبة السعودية “المعلّقة” للجيش والقوى الامنية اللبنانية والبالغة قيمتها 3 مليارات دولار، حيث كشف الدبلوماسي الفرنسي وفق المصادر، ان بلاده لا تزال تصنّع السلاح لحساب المملكة تنفيذا للاتفاق المبرم بين البلدين، مشيرا الى “أن باريس مستمرة في التصنيع، على ان تحدد الرياض في نهاية المطاف، وجهة هذا السلاح والدولة التي تريد ان يذهب اليها”. واعتبرت المصادر أن كلام ايرولت الذي لم يوضح ما اذا كانت فرنسا ستتوسط مع السعودية لاعادة الهبة الى لبنان، يشكّل بارقة ايجابية بأن المساعدات المتوقفة قد تجد طريقها مجددا الى بيروت اذا ما هدأ التوتر الذي يحكم حاليا العلاقات بين الرياض وطهران ومن بعدها “حزب الله”، ولو ان التكهن في مصير التشنج هذا وعمره الزمني صعب ومعقّد.