كتب عبدالله بارودي في صحيفة “الجمهورية”:
يُصرّ النائب سمير الجسر على أن يبدأ حديثه لـ«الجمهورية» عن أسباب خسارة التحالف السياسي في الانتخابات البلدية في طرابلس، بالعودة إلى ظروف تشكيل التحالف وغايته.يقول الجسر: «يجب ألّا ننسى أنّ التحالف جمَع قوى سياسية كانت متنافرة منذ العام 2011، لكنّنا ارتأينا التوافق في الانتخابات البلدية لسببين رئيسيّين:
الأوّل: على قاعدة أنّ قانون الانتخابات البلدية متقدّم، بمعنى غير مبنيّ على قاعدة التمثيل الطائفي والمذهبي. ولكنّ الجميع يعلم أنّ أيّ تجاذب أو تنافس بين لائحتين قويّتين، قد يَحول دون تمثيل كلّ العائلات الروحية في المدينة، ولنا مثال على ذلك ما حصل في الانتخابات البلدية عام 2004. ونحن في تيار «المستقبل» حريصون على تمثيل كلّ الأطياف في المدينة.
الثاني: إتّفقنا على أن نبني تحالفاً من نوع جديد، وألّا نُكرّر ما حصل في الانتخابات الماضية. ففي العام 2010 شاركت كلّ القوى السياسية في لائحة واحدة، على قاعدة توزيع حصص بين مختلف الأفرقاء السياسيين. لكنّ التجربة السابقة لم تكن ناجحة.
من هنا، كان الاتفاق على اختيار شخص الرئيس الذي بدوره يضع سلّة من الأسماء، ثمّ يختار من بينها الأشخاص الذين يشكّلون معه مجلساً بلدياً متجانساً ومتناغماً. ولم يكن دورنا في هذا المجال سوى التأكّد من عدم وجود أيّ خلفية سياسية أو حزبية للأشخاص المختارين».
ويشير الجسر إلى ثلاثة معطيات أدّت الى خسارة المعركة الانتخابية:
«الأوّل: المناخ الذي كان سائداً في مرحلة ما قبل إعلان التحالف السياسي، من خلال التقاذف السياسي ورمي التهَم بعضُنا على بعض.
الثاني: صحيح أنّه جرى اختيار أشخاص ذات كفاءة وعِلم واختصاص، لكن لم يكن لدينا الوقت الكافي لتعريف الناس عليهم، وقد نجَحت اللائحة المقابلة في حَصدِ ردّة فِعل عدم مراعاتنا لهذه الأمور.
الثالث: سيطرة الاستهتار لدى الماكينات الانتخابية والشعور بفائض القوّة، وبأنّ النتيجة محسومة مسبقاً، ما أدّى إلى التراخي وعدم التنسيق بين الماكينات التي لم تعمل جدّياً على تشجيع الناس للمشاركة في الانتخابات».
ويَعترف الجسر: «نعم أخطأنا التقدير، ولم نراعِ طموحات الناس». ويكشف أنّه «اطّلعَ في 12 أيار على دراسة إحصائية علمية أجريَت في 30 نيسان تشير إلى أنّ أكثر من 52 في المئة من أبناء طرابلس ضد التوافق السياسي في البلدية، فضلاً عن أنّ 10 في المئة امتنَعوا عن التصويت، وهو ما يشير الى أنّ جوّ البلد عموماً لم يكن مهيَّأً لهذا التحالف».
ويؤكّد الجسر أنّ «التوافق السياسي حُسِم منذ أوائل شهر أيار، لكن اللائحة أعلِنت قبل أسبوع واحد من موعد الانتخابات، وهذا لا يترك فرصة لتسويق المرشّحين ولا لتجهيز الماكينات ولا للتنسيق في ما بينها، وليكن واضحاً للجميع أنّ اللقاء الذي جمعَ الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات البلدية لم يكن له أيّ علاقة بها وبتحالفاتها».
إتّهامات ريفي
وعن سبب اختيار «المستقبل» التوافق مع ميقاتي دون وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي، يشرح الجسر: «التفاهم أو التقارب مع الرئيس ميقاتي لم يكن من أجل الانتخابات البلدية، ولكنّه جاء في سياق عام أوسَع وأكبر على الساحة اللبنانية.
من هنا، نفهم تقاربَنا مع الوزير عبد الرحيم مراد والأستاذ فؤاد مخزومي. وأقولها بكلّ صراحة، حين نَسمع عن سلّة متكاملة ومؤتمر تأسيسي نَستشعر بأنّ شيئاً ما سيلامِس كلَّ المكوّنات اللبنانية. وبالتالي، علينا أن نكون صفّاً واحداً على الساحة السنّية، وإلّا فكلّ منّا سيُستفرَد، وهو أمرٌ لا أعتقد أنّ أحداً يَرغب به، وليس في مصلحة البلد».
أمّا بالنسبة إلى ريفي، «فكان منذ بداية عملِه السياسي يصرّح بأنّه حالة حريرية مستقلّة، وليس من ضمن تيار «المستقبل»، والتقارب معه لم يكن بعيداً أو مستحيلاً، لكنّ التباين بدأ في الظهور، وتفاقَم كثيراً مع الوقت، متجاوزاً حدودَ السياسة بمفهومها المطلق، ليصلَ إلى حدود فتحِ جرحٍ كبير».
ويَعتب الجسر على «صديقه»، ريفي، لاتّهامه الحريري بأنّه جزء من منظومة الفساد، وتساؤله عن إمكان بقاء تيار «المستقبل» لحين الوصول إلى الانتخابات النيابية المقبلة، والطلب من الحريري العودةَ إلى ثوابت «14 آذار»، واتّهامه بالخروج عن ثوابت الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فيقول: «نعم، تفاجَأت. نحن لا ننزعج من طموحات ريفي الشخصية، فهذا من حقّه.
لكن أنا أعلم مدى عمقِ العلاقة التي كانت تَجمع ريفي بالرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن بعدِه الرئيس سعد الحريري، ولم يكن يَخطر ببالي أبداً أن تصلَ العلاقة معه إلى هذا السوء، وأن يصل ريفي إلى حدود اتّهام الحريري بالانقلاب على والده، والتساؤل عن مستقبل تيار رفيق الحريري!».
ويسأل: «عن أيّ ثوابت خرَجنا، حين اتّهمنا أثناء الانتخابات البلدية بأنّ لائحتنا تضمّ مرشّحين يمثلون «حزب الله» والمشروع الفارسي والسوري. طلبتُ منه أن يكون لدينا الجرأة بالإعلان أمام الناس عن أسمائهم، لكنّ الجواب لم يأتِ لغاية الآن!».
ويضيف: «أمّا في مسألة ترشيح النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، فالدراسة نفسُها التي ذكرتها سابقاً، أعطت فرنجية 25 في المئة، يليه الوزير السابق زياد بارود 14 في المئة، والوزير السابق جان عبيد 12 في المئة، ما يعني أنّ أبناء المدينة لا يرفضون هذا الترشيح.
وهذا الموضوع كان يجب ألّا يثار في الإعلام، بل أن يُحسَم في ما بيننا، خصوصاً أنّ الحريري يَعتبر ريفي من أهل البيت، وأنّ أيّ تشرذُم ضمن الفريق الواحد سيَستفيد منه الطرف الآخر حتماً».
ويتساءَل الجسر: «كيف خرَجنا عن ثوابت «14 آذار»؟ ألم نتمسّك بترشيح الدكتور سمير جعجع إلى النهاية، بعد ذلك وصلنا إلى حائط مسدود، وأنا أجزم بأنّ مبادرة الحريري حرَّكت الملفّ الرئاسي على الصعيد الوطني.
هذا فضلاً عن أنّ مرشّح ريفي إلى الرئاسة، الدكتور جعجع، هو نفسُه عاد ورشّح العماد ميشال عون. وأعتقد أنّ ريفي يَعلم تماماً بأن «القوات اللبنانية» فتحت حواراً مهمّاً مع تيار «المردة» و»التيار الوطني الحرّ» حتى قبل أن يبادر الحريري إلى ترشيح فرنجية».
ويتابع: «ما هي ثوابت رفيق الحريري التي خرَجنا عنها؟ رفيق الحريري لم يكن رَجلاً صدامياً، رفيق الحريري وفي عزّ الوجود السوري، حين كان جعجع في السجن، وعون في الخارج، أتى ليؤلّف مجلساً بلدياً في بيروت مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين، وضَمِن وجود كلّ الأطراف بمن فيهم «القواتيين» و«العونيين». رفيق الحريري كان رجلاً مرِناً ومنفتحاً، رفيق الحريري كان مثالاً للوفاء والعطاء. تلك هي ثوابت رفيق الحريري، وأتمنّى أن يعود ريفي إليها!
ولحسمِ الجدل، أذكّر معالي الوزير، بكلّ محبّة، بأنّ ثوابت الرئيس الحريري موجودة في كتابه «مشروع وطن»، وأدعوه إلى التمعّن في الثوابت المنشورة في هذا الكتاب، ليُبيّن لنا عن أيّ بندٍ خرَج الرئيس سعد الحريري».
ويؤكّد الجسر أنّ «تيار «المستقبل» لا ينتهي بتعثّرٍ في انتخابات بلدية، خصوصاً أنّ الطرف المقابل يَبني مجدَه وسياسته في قسمٍ كبير منها على جمهور رفيق الحريري!».
وعن مستقبل العلاقة بين الحريري وريفي، فلا يَرى الجسر اليوم «أيّ بصيص أمل في عودة العلاقة بين الرَجلين إلى طبيعتها»، قائلاً: «لا يَتوهمنَّ أحد أنّه يستطيع بناءَ مجدِه السياسي على مهاجمة سعد الحريري!».
أمّا عن مسألة المحاسبة التي أعلنَ عنها الحريري، فيوضح: «إعلان الحريري عن تحمُّلِه المسؤولية جرأة كبيرة، وتعكس الروح القيادية عنده. لكن في المقابل، جميع القيادات مشاركة في تحمّل المسؤولية، ونحن مع المحاسبة والتغيير في المواقع التي ظهر فيها بعض الثغرات».
وعن مستقبله في التيار بعد حملة «يعطيكم العافية، لازم ترتاحوا»، يجيب مبتسماً: «اطمّن، مش حريّحك!».