كتب جوزف الهاشم في صحيفة “الجمهورية”:
لو أنَّ الكاهن اللبناني عبده رعـد الذي صَدَح صوته بالآذان في إفطارٍ رمضاني في جنوب لبنان، لو أنَّ هذا الكاهن، كان على بيِّنةٍ بتلك القصة التي حدثَتْ بين أهل مدينة حمص ومؤذِّنٍ من غير دينهم، لكان أنقذ نفسه من حَرج الآذان ومن ردود الفعل المستغربة، وأنقذ العلماء من تفسير إشهار الشهادتين.
واستدراكاً لتجربة التكرار، لا بدّ من التذكير بما كان يُروى عن أهل حمص حين أرادوا أن يأتوا بمؤَذِّنٍ يتمتع بصوت جميل، فوقع اختيارهم على رجل غير مسلم، فكان كلما حان موعد الآذان يقول: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأهل حمص يشهدون أن محمداً رسول الله…».
هذا، من حيث الشكل، أما من حيث الجوهر – وفي هذا الزمن المسعور بالجنون الديني والمذهبي والتكفيري – فإنّ لبنان وحده المؤهل بأن يتشارك فيه الكهنةُ والمشايخُ صلاة المساجد والكنائس، لعلّ في ذلك عبرة للمؤمنين وللتكفيريين على السواء.
لقد كان للكهنة المسيحيين غير سابقة في هذا المجال: الخوري يوسف عون يقول في مقدمة الإنجيل…»كان المسيحيون العرب في الأجيال الأولى للكنيسة يتوِّجون كتاباتهم بالبسملة… بسم الله الرحمن الرحيم… كما كان شعار لا إله إلا الله، شعاراً يحفرونه على أعتاب بيوتهم منذ الجيل الثالث، أي قبل الفتح العربي بثلاثمئة سنة…».
وفي كتابه من أجل لبنان (ص. 132) يتناول كمال جنبلاط التأليف الإسلامي – المسيحي فيذكر أن أحد الكهنة في البترون كان يبدأ قداسه بشعار «الله أكبر… وبسم الله الرحمن الرحيم»، وإِنَّ كاهناً آخر عُرِف بالمحاضر الكبير في «السوربون» كان يلقي مواعظ حول المتصوّفة المسلمين في كنيسة مار جرجس في بيروت داعياً الى إلغاء الطائفية.
ومن المعروف أيضاً أن البابا يوحنا بولس الثاني دعا الكاثوليك في العالم الى أن يصوموا آخر يوم من شهر رمضان تضامناً مع المسلمين.
وفي المقابل، هل يعلم الذين يستوحون قرآناً مزيفاً ومخضّباً بالدم، أن القرآن الكريم يزْجر الذين يُكرهونَ الناسَ حتى يكونوا مؤمنين (يونس 99) ويحضُّ اليهود والنصارى على أن يؤمنوا بكتابهم «قلْ يا أهلَ الكتاب لستمْ على شيءٍ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أُنزِلَ إليكم من ربكم (المائدة 68).
وهل نذكِّرهم بقول الرسول في خطبة الوداع «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى… ألا.. لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض…».
بعد هذا الفُحش في استخدام الفقه وسيلة للقتل والكفر، أليس هناك مجاهدون في سبيل الله يخوضون معركة إنقاذ الدين من الزندقة الداعشية التي تشرِّع الجهاد في سبيل التكفير «الشرعي» للإسلام الحضاري، وفي سبيل التدمير الكامل للوحدة الإنسانية التي أطلقها القرآن: «إتّقوا ربَّكم الذي خلقكُمْ من نَفْسٍ واحدة (النساء) «1»؟
إنها مسؤولية المتنوِّرين الإسلاميين والمسيحيين لاسترداد شعار «الله أكبر» الى مقدمة الإنجيل والى استهلال الآذان، حتى لا يُستخدم شعاراً لحزام ناسف أو صاعقاً للتفجير، وإلا فقد تصبح الشرائع مصدراً للفتن، وبهذا يقول أبو العلاء المعري:
إنّ الشرائع ألْقَتْ بيننا إِحَناً وعلَّمتنا أَفانينَ العدواتِ