كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
…وصدر الحكم بحق زياد عبس قبل انتهاء محاكمته حزبياً. مبدئياً، ستُجمّد عضويته في «التيار الوطني الحر» المنتمي اليه منذ لحظة التأسيس الأولى، لمدة أربعة أشهر. فعلياً سيمنع الرجل من الترشح للانتخابات التمهيدية النيابية التي تقدّم بطلب ترشحه اليها، وذلك من باب السعي الى تحجيمه و«ترويضه»، كما يرى معارضون.
هكذا، اختارت الرابية السير بين الألغام. فحاذرت اللجوء الى عقاب «الفصل» مخافة من تداعياته وانفلاش بقعة الزيت الاعتراضية، وأصرت في المقابل على إقصاء القيادي البيروتي الأرثوذكسي المعروف عن حلبة النيابة، وقدّمته «درساً» ليتعلّم منه الآخرون.
بعد ظهر أمس تلقى عبس اتصالاً من الأمانة العامة المركزية تبلغه فيه بالقرار الذي سيكون بمقدوره إستئنافه خلال مهلة 15 يوماً، وتطلب منه التوجه شخصياً الى مكاتبها للحصول على نسخة عنه. وبهذا سيكون ممنوعاً عليه استكمال معركته النيابية.
بالنتيجة، «التيار الوطني الحر» ليس بخير. التحول من حالة نضالية إلى حزب منظّم وفق هيكلية تقف على أرضية نظام داخلي جديد، ولو أنهّ «مشوب بعيوب جوهرية تقضم من مفهوم الشراكة»، كما يرى بعض الحزبيين، لم يأت بالنهضة التي كان يريدها العونيون ويطمحون إليها وانتظروها لسنوات طويلة.
هكذا صارت الانطلاقة التنظيمية، والتي كان استحقاق رئاسة «التيار» أولى محطاتها الانتخابية، بداية العدّ العكسي. لا بل أكثر من ذلك، يقول أحد المعارضين «إنّه في اللحظة التي حصلت فيها الولادة الثانية لـ «التيار» والتي كان من المفترض أن تضعه على سكة قطار المأسسة، تلقى التنظيم أولى الضربات قبل أن تتوالى اللكمات».
عملياً، لم يكن مشهد الانتخابات البلدية الأخيرة الممتزج بصراعات أبناء الصف البرتقالي، الا صورة طبق الأصل عن واقع «التيار» الملتبس منذ مدّة، حيث عجزت مساحيق التجميل «الانتخابية» عن ستر عوراته.
ما حصل في الأشرفية، وعلى عكس ما تحاول القيادة تصويره، لم يكن الاستثناء، وإنما واحد من ساحات الاقتتال بين عونيين جرتهم انقساماتهم الى معسكرات متنافسة لا متكاملة. غير أنّ القيادة أصرت على النظر بعين واحدة الى مجريات الانتخابات البلدية لتقتصّ من زياد عبس وحده.
ومع أنّ مشهد الخصومة الانتخابية بين العونيين في شوارع الأشرفية أدى الى إحالة خمسة أعضاء من هيئة بيروت الأولى (رئيس الهيئة جورج طشاجيان، أمين السر جان كلود غصن، سامي طراد، الان ايوب، وروبير عطية) الى المجلس التحكيمي، الا أنّ عبس وحده هو الذي قد يدفع الثمن السياسي «بسبب الحيثية التي صار يمثلها، وليس بسبب «الجريمة» التي ارتكبها في الاستحقاق البلدي» على حد تعبير المعارضين.
ولا حاجة لاستعادة شريط الخلافات الموثقة بالصوت والصورة بين البرتقاليين الذين انقسموا على مرأى من الجنرال ميشال عون الى لوائح متخاصمة، للتأكيد أنّ ما يجري في دائرة بيروت الأولى «ليس قضية إلتزام بنظام داخلي، وانما تتمة لمسار يُراد منه إبعاد كل قيادات «الزمن الأول» غير القابلة للتطويع تحت جناحيّ القيادة الجديدة»، أقله هكذا يعتقد المعارضون.
ثمة ترقب وبأعصاب باردة لما ستقدم عليه القيادة في ما خصّ زياد عبس، ليبقّ البحصة ويخرج ما في جعبته من «ارتكابات» يقول إنّ القيمين على مسيرة «التيار» يرتكبونها بعقل بارد.
عملياً، توالت الأخبار منذ أكثر من عشرة أيام عن توجه لفصل عبس من «التيار الوطني الحر»، مع أنّ الأخير تمّ استدعاؤه الى المجلس التحكيمي الذي تلا عليه اللائحة الاتهامية بحقه ولكن من دون أن يتمكن من الحصول على نسخة خطية عنها لكي يدافع عن نفسه.
وما زاد من فرضية «الاستهداف» وفق عونيين معارضين، هو توقيت قبول الطعن المقدم بحق هيئة الرميل (دائرة بيروت الأولى) من جانب اللائحة الخاسرة في الانتخابات المحلية بعدما نام أكثر من ستة أشهر في»الجارور»، حيث يفترض أن يصار الى اعادة اجراء الانتخابات في هذه الدائرة بسبب «صوت ملتبس»، بينما ثمة طعون أخرى «أكثر جدية»، كما يرى معارضون، لم يبتّ بها، فبدت الخطوة وكأنها تمهيد لما سيحصل في المجلس التحكيمي.
بالنتيجة، يعتقد المعارضون أنّ «الإقصاء المؤقت» لعبس «لن يمرّ مرور الكرام، وما على راصدي الجدران الافتراضية الا التقاط الإشارات».